.

اليوم م الموافق ‏14/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الصلاة وصلتها بأصل الدين

815

الإيمان, فقه

الصلاة, حقيقة الإيمان

عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري

المدينة المنورة

قباء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

أصل الإيمان أركانه الستة , وفروعه وشعبه أعمال الإسلام الظاهرة – حقائق هامة تتعلق بموضوع الإيمان : 1- فساد الأصل يؤدي إلى فساد الفرع , كالشجرة إذا فسد جذعها وأصلها 2- أن سلامة الأصل يظهر أثرها على الفرع 3- زوال بعض الفروع لا يعني زوال الشجرة بالكلية , وإذا زال الجذع زالت الشجرة بالكلية – الصلاة كالجذع للشجرة وكالعمود للخيمة إذا زالت زال الإيمان 4- الإيمان والإسلام أمران متداخلان بينهما صلة وثيقة , والنصوص الدالة على ذلك

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن هذا الدين مثله كمثل الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها وكما أن الشجرة لها أصلاً وفروعاً وشعباً وأغصاناً فإن لهذا الدين أصلاً وفروعاً وشعباً وأغصانا.

أما أصله فثابت في قلب كل مؤمن وهو الإيمان بالأركان الستة التي أولها توحيد الله عز وجل، وأما فروعه وشعبه وأغصانه فهي أعمال الإسلام الظاهرة وشرائعه الظاهرة.

 والشجرة لا تموت بموت بعض أعضائها وشعبها وفروعها ولكنها لا تبقى إذا مات أصلها، وكذلك لا تبقى الشجرة إذا عُدمت فروعها وأعضاؤها وشعبها بالكلية، ولا تبقى الشجرة كذلك إذا فني أصلها.

وقد سمى النبي ما يتعلق بأمور الاعتقاد سمى ذلك إيمانًا.

وأما ما يتعلق بالأعمال الظاهرة والشرائع الظاهرة سماه إسلامًا وذلك في حديث جبريل المشهور بعد أن بين النبي معنى الإيمان، قال له جبريل: أخبرني عن الإسلام. فقال النبي : ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً))[1].

قال جبريل: صدقت.

فبين النبي في هذا الحديث أن ما يتعلق بأمور الاعتقاد القلبي فهو إيمان وهو الإيمان بالأركان الستة، ونحن بعون الله وتوفيقه منذ بدأنا حتى اليوم في هذا المنبر نشرح الركن الأول من تلك الأركان الستة من أركان الإيمان الستة وهو الإيمان بالله عز وجل.

وهاهنا حقائق يجب أن ننتبه لها في هذا الموضوع فإنها تجلي لنا كثيرًا من مشكلاته وتوضح لنا كثيرًا من مبهماته.

أول هذه الحقائق: أنه لا يُتصور بقاء جرم الشجرة بجذعها الذي هو لها كالعمود للخيمة وبفروعها وأغصانها لا يُتصور بقاء جرم الشجرة إذا فنى أصلها وفسد أصلها، فإن فناء الأصل وفساد الأصل يؤدي دائمًا وعادة إلى فساد الشجرة كلها، وهكذا أمر هذا الدين للإنسان إذا فسدت عقيدته وفسد إيمانه فسد دينه كله فإنه إسلام بلا إيمان ودين بلا إيمان.

وثانيها: ثاني هذه الحقائق أنه لا يُتصور أبدًا أن تبقى الجذور سليمة ويبقى الأصل سليمًا يجري فيه ماء الحياة ثم لا يمتد فيه ماء الحياة هذا لا يمتد ماء حياته هذا إلى جرم الشجرة إلى جذعها وفروعها وشعبها وأغصانها لا يُتصور ذلك أبدًا، فإن الأصل إذا بقى سليمًا والجذور إذا بقيت حية لابد أن تنبت وتظهر أثرها للعيان ثم تؤتي أكلها بإذن ربها.

فإذا بقي الأصل سليمًا فإنه لابد أن يظهر أثره ويمتد ماء حياته إلى جرم الشجرة إلى فروعها وشعبها وأغصانها وثمارها وأزهارها اليانعة.

وهكذا أمر هذا الدين للإنسان فإن الإنسان المكلف إذا لم يأت بشيء أبدًا من شرائع الإسلام وفرائضه وأعماله الظاهرة، لم يأت بشيء من ذلك أبدًا فإن هذا دليل على أنه ليس بمؤمن، هذا دليل على أنه ليس بمؤمن فإن الإعراض الكلي والترك الكلي لفرائض الإسلام وأركانه ينفي ويلغي عن صاحبه اسم الإسلام وإذا انتفى اسم الإسلام عن الإنسان دل ذلك على انتفاء الإيمان من قلبه أيضًا.

وثالث هذه الحقائق: أنه إذا زال بعض جرم هذه الشجرة دون بعض لا يعني ذلك بالضرورة زوال الشجرة بالكلية.

ولكن يختلف هذا بحسب موقع ذلك البعض الزائل فإن فروع الشجرة وأغصانها وثمارها وأزهارها إذا زالت لا يستلزم ذلك زوال الشجرة، كلا فإن الشجرة تبقى بجذعها وأصولها وإن كانت تبقى حينئذ شجرة ناقصة إما نقصًا شديدًا أو نقصًا خفيفًا بحسب تلك الفروع والشعب والأغصان الزائلة.

ولكن إذا زال جذع الشجرة الذي هو لها كالعمود للخيمة زالت الشجرة كلها عُدمت الشجرة كلها والصلاة في هذا الدين، الصلاة عمود هذا الدين فهي في هذا الدين كالجذع للشجرة وكالعمود للخيمة، فإذا ترك العبد الصلاة تركًا كليًا وأعرض عن الصلاة إعراضًا كاملاً زال إسلامه وبطل إيمانه وفسد عليه أمر دينه لأن الصلاة عمود هذا الدين، هي بالنسبة لشجرة الإيمان كالعمود بالنسبة للخيمة، وإذا انهار عمود الخيمة انهارت الخيمة أجمعها، هذا هو شأن بعض جرم تلك الشجرة إذا زال، زالت الشجرة بالكلية، وبعض آخر مهما زال لا يزول جرم شجرة الإيمان بالكلية ولكن يبقى ناقصًا نقصانًا شديدًا أو نقصانًا خفيفًا.

ورابع هذه الحقائق: يتعلق بفهم نصوص الشرع الواردة في هذا الموضوع فقد جاء بعض الآيات القرآنية تصف بعض أمور القرآن، تصف بعض أمور الاعتقاد القلبية، تصف بعض أمور الإسلام وتصف بعض الأعمال الظاهرة تصفها بالإيمان، تسميها إيمانًا.

وتصف الإيمان بأنه يزيد وينقص.

قال تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم [البقرة:143]. قال المفسرون أي صلاتكم فسمى الله الصلاة إيمانًا والصلاة من أعمال الإسلام الظاهرة، وقال عز وجل: فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل [آل عمران:173].

وقال في مواضع أخر: ليزدادوا إيمانًا [الفتح:4]. فوصف الإيمان بأنه يزيد وينقص.

وقال سبحانه وتعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون    [الأنفال:2-3].

ففسر سبحانه وتعالى الإيمان ببعض الأعمال القلبية الاعتقادية وهى وجل الله والخشية من الله عز وجل وزيادة الإيمان والتوكل على الله عز وجل. وفسره في نفس الوقت، فسر الإيمان ببعض الأعمال الظاهرة ببعض شرائع الإسلام الظاهرة وهي الصلاة والزكاة.

والنبي في حديث وفد عبد القيس فسر الإيمان بأعمال الإسلام الظاهرة وشرائعه وفرائضه الظاهرة فقال : ((أتدرون ما الإيمان؟ الإيمان أن تشهد أن لا إله إلا الله وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتعطوا الخمس من المغنم)). هكذا فسر النبي الإيمان في وفد عبد القيس بأعمال الإسلام الظاهرة.

وفي حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه الذي رواه أحمد[2] في مسنده فسر النبي الإسلام ببعض الأعمال القلبية وبعض الأعمال الظاهرة معًا. فقال لعمرو بن عبسة: ((الإسلام أن تسلم قلبك لله)) وهذا من الأمور القلبية الاعتقادية. هذا من أعمال القلب وهذا من أمور الإيمان فسر به النبي الإسلام.

قال: ((الإسلام أن تسلم قلبك لله وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك)) وهذا من الأعمال الظاهرة، هذا من أعمال الإسلام وشرائعه الظاهرة ففسر النبي الإسلام بالأمرين وبالناحيتين بالأمر الاعتقادي القلبي الإيماني وبالأمر الإسلامي الشرعي، بالأعمال الظاهرة بشرائع الإسلام الظاهرة، فسر الإسلام بهما معًا.

ثم قال له عمرو بن عبسة رضي الله عنه: فأي الإسلام أفضل قال : ((الإيمان)) فأدخل الإيمان ضمن الإسلام.

قال عمرو: ما الإيمان؟

قال النبي : ((الإيمان أن تؤمن بالله وكتبه ورسله والبعث بعد الموت)) هكذا فسر النبي الإسلام في هذا الحديث بالأعمال الاعتقادية القلبية وبأعمال الإسلام الظاهرة وشرائعه الظاهرة وأدخل الإيمان ضمن الإسلام.

دل هذا كله على أن الإيمان والإسلام أمران متداخلان متصلان بينهما صلة وثيقة وتلازم شديد ويطلق أحدهما على الآخر ويدخل أحدهما ضمن الآخر عند الإطلاق، فإذا قيل إسلام دخل فيه الإيمان، وإذا قيل إيمان دخل فيه الإسلام، فإذا جُمع بينهما في كلام واحد وفي سياق واحد اختلف معناهما كما جاء في حديث جبريل الذي ذكرناه آنفًا يصير الإيمان حينئذ بمعنى الاعتقاد اعتناق الأركان الستة، ويصير الإسلام حينئذ بمعنى الأعمال الظاهرة، شرائع الإسلام وفرائضه الظاهرة وأعماله الظاهرة فرائض كانت أم نوافل يكون هو ذلك معنى الإسلام.

وقد فسر النبي الشجرة[3] في المثل القرآني الذي ضربه الله عز وجل لهذا الدين في قوله تعالى: كشجرة طيبة فسر الشجرة بالنخلة، فالنخلة أصلها ثابت في أعماق الأرض راسخ في طبقات الأرض وفرعها مرتفع في عنان السماء شامخ وبارز للعيان، وهكذا هذا الدين أصله الذي هو الإيمان والعقيدة راسخ وثابت في قلب المؤمن وفرعه الذي هو أعمال الإسلام الظاهرة وفرائضه وشرائعه ونوافله بارزة ظاهرة مرتفعة بصاحبها إلى السماء تسمو به إلى الطبقات العلوية ولا يزال المؤمن كلما استكمل شرائع الإسلام وفرائضه وأعماله واجبات كانت أم نوافل مازال يسمو به ذلك إلى أعلى عليين حتى يصل به إلى ذروة السنام بالجهاد.

وقد وصف النبي أمر هذا الدين بأن له رأساً وله عموداً وله ذروة سنام. فكما أن الشيء لا يعيش بغير رأس فهو لا يبقى بغير عموده. فرأس هذا الدين هو الإسلام كما قال النبي : ((رأس هذا الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد))[4].

فكما أن الشيء لا يبقى بغير رأسه وهذا الدين لا يبقى ولا يسلم لصاحبه بغير التوحيد وبغير أصل الإسلام فكذلك الشيء لا يبقى بغير عموده ينهار إذا انهار عموده، فكذلك هذا الدين لا يبقى لصاحبه بغير الصلاة التي هي عمود الإسلام، لكنه قد يبقى لصاحبه بغير ذروة السنام الذي هو الجهاد فإن الجهاد في أكثر الأحيان فرض على الكفاية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون [إبراهيم:24-25].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] أخرجه مسلم في صحيحه (1/36) رقم (1).

[2] أخرجه أحمد في مسنده (4/114) وعبد بن حميد (301).

[3] أخرجه البخاري في صحيحه في العلم (1/34) رقم (62).

[4] أخرجه أحمد (5/231) والترمذي (2616) وابن ماجه (3973) وغيرهم.

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

من يطع الله ورسوله فق رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا.

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران:102] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا [الأحزاب:70-71].

وصلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].

وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ))[1]

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين عليّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.



[1] أخرجه مسلم في صحيحه في الصلاة (1/306) رقم (408).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً