.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

مثل المؤمن كمثل خامة الزرع

568

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

أحاديث مشروحة, مكارم الأخلاق

أحمد فريد

الإسكندرية

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- مثل المؤمن وآخر للمنافق. 2- وجه تشبيه المؤمن بخامة الزرع. 3- البلاء نعمة يصبها الله على المؤمنين. 4- يعرف قدر البلاء يوم القيامة. 5- وجه الشبه بين المنافق وشجرة الأرز. 6- الولاء بين المؤمنين.

الخطبة الأولى

 

ثم أما بعد:

قوله : ((مثل المؤمن كالخامة من الزرع، تفيّؤها الريح مرة، وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة، لا تزال حتى يكون إنجعافها مرة واحدة))([1]).

قوله : ((كالخامة)) هي الطاقة الطرية اللينة أو الغضة من الزرع.

وقوله: ((تفيؤها الريح مرة وتعدلها مرة)) قال الحافظ: وكأن ذلك باختلاف حال الريح فإن كانت شديدة حركتها فمالت يمينا وشمالا حتى تقارب السقوط، وإن كانت ساكنة أو إلى السكون أقرب أقامتها([2]).

وقوله: ((ومثل المنافق))، وفي حديث أبي هريرة: ((الفاجر))، وفي رواية عند مسلم ((الكافر)).

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ففي هذه الأحاديث أن النبي ضرب مثل المؤمن في إصابة البلاء بخامة الزرع التي تقلبها الريح يمنة ويسرة، والخامة الرطبة من النبات.

ومثّل المنافق والفاجر بالأرزة، وهي الشجرة العظيمة التي لا تحركها ولا تزعرعها حتى يرسل الله عليها ريحا عاصفا، فتقلعها من الأرض دفعة واحدة، وقد قيل: إنها شجرة الصنوبر، قاله أبو عبيد وغيره.

ففي هذا فضيلة عظيمة للمؤمن بابتلائه في الدنيا في جسده بأنواع البلاء، وتمييز له عن الفاجر والمنافق بأنه لا يصيبه البلاء حتى يموت بحاله، فيلقى الله بذنوبه كلها فيستحق العقوبة عليها([3]).

قال النووي: قال العلماء: معنى الحديث أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله، وذلك مكفر لسيئاته، ورافع لدرجاته، وأما الكافر فقليلها، وإن وقع به شيء لم يكفر شيئا من سيئاته، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة ([4]).

وقال الحافظ: قال المهلب: معنى الحديث أن المؤمن حيث جاءه أمر الله انطاع له، فإن وقع له خير فرح به وشكر، وإن وقع له مكروه صبر ورجا فيه الخير والأجر، فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرا، والكافر لا يتفقده الله باختباره، بل يحصل له التيسير في الدنيا ليتعسر عليه الحال في المعاد، حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه، فيكون موته أشد عذابا عليه وأكثر ألما في خروج نفسه.

وقال غيره: المعنى أن المؤمن يتلقى الأعراض الواقعة عليه لضعف حظه من الدنيا، فهو كأوائل الزرع، شديد الميلان لضعف ساقه، والكافر بخلاف ذلك، وهذا في الغالب من حال الاثنين ([5]).

وقال الحافظ ابن رجب: ففي هذا فضيلة عظيمة للمؤمن بابتلائه في الدنيا في جسده بأنواع البلاء، وتمييز له عن الفاجر والمنافق بأنه لا يصيبه البلاء حتى يموت بحاله، فيلقى الله بذنوبه كلها فيستحق العقوبة عليها، والنصوص في تكفير ذنوب المؤمن بالبلاء والمصائب كثيرة جدا([6]).

ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال: ((ما من مصيبة تصيب المسلم، إلا كفّر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها))([7]).

وعن ابن مسعود عن النبي قال: ((ما من مسلم يصيبه أذى من مرضٍ فما سواه، إلا حتّ عنه خطاياه، كما يحتّ ورق الشجر)).

وعنه قال: ((ما يزل البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ))([8]).

وعنه قال: ((إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها))([9]).

وإنما يعرف قدر البلاء إذا كشف الغطاء يوم القيامة، عن جابر عن النبي قال: ((يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم قرضت بالمقاريض في الدنيا))([10]).

فمن الفروق بين أهل الجنة وأهل النار، أن أهل الجنة غالبا يصابون بالبلاء واللألواء، فيكون ذلك كفارة لذنوبهم، ودرجات عند ربهم، وأهل النار لا تكفر ذنوبهم بذلك، والله تعالى إذا أراد أن يقبضهم أصابهم ببلاء شديد يستأصل به شأفتهم، ويزيل عينهم وأثرهم.

عن حارثة بن وهب عن النبي قال: ((ألا أخبركم بأهل الجنة وأهل النار؟ أهل الجنة كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ فقالوا: بلى، قال: كل شديد جعظري، هم الذين لا يألمون رؤوسهم))([11]).

وعن أبي هريرة عن النبيٌٌٌ قال: ((تحاجت الجنة والنار، فقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم، وقالت النار: مالي لا يدخلني إلا الجبارون المتكبرون؟))([12]).

وفي تشبيه المؤمن بخامة الزرع والمنافق بشجرة الأرز فوائد:

الفائدة الأولى: أن الزرع ضعيف مستضعف، والشجر قوي مستكبر متعاظم، فالمؤمن يشتغل بمعالجة قلبه وتقوية إيمانه، فهو في الغالب ضعيف البدن قوي القلب، والمنافق بعكس ذلك، ضعيف القلب قوي البدن قال الله عز وجل: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم [المنافقون:4].

فالمنافقون تعجبك هيأتهم ومنظرهم، ولكن قلوبهم في غاية الضعف والهلع، فهم يحسبون كل صيحة عليهم، أما المؤمنون فوصف الله عز وجل قوة قلوبهم ورباطة جأشهم فقال عز وجل: ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً [الأحزاب:22].

وقال عز وجل: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل [آل عمران:173].

قال الحافظ ابن رجب: وكذلك المؤمن يستضعف فيعاديه عموم الناس، لأن الإسلام بدأ غريبا ويعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء.

فعموم الخلق يستضعفه، ويستغربه، ويؤذيه لغربته بينهم، وأما الكافر والمنافق أو الفاجر الذي كالصنوبر فإنه لا يطمع فيه، فلا الرياح تزعزع بدنه، ولا يطمع في تناول ثمرته لامتناعها.

الفائدة الثانية: أن المؤمن يميل مع البلاء، ويمشي معه كيفما مشى به، فهو كخامة الزرع التي تلين مع الرياح، أما الفاجر والمنافق فهو يتعاظم على البلاء، ولا ينكسر لرب الأرض والسماء، حتى يرسل الله عز وجل عليه من البلاء والمصائب ما يستأصل شأفتة، ويزيل أثره.

كما قال تعالى: فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون  [فصلت:15-16].

فالمؤمن ينكسر بالبلاء، ويعرف ضعفه وفقره وحاجته إلى الله عز وجل، فتحسن خاتمته في الدنيا، وعاقبته في الآخرة.

والمنافق والفاجر يستعصي على البلاء، ولا يتواضع لرب الأرض والسماء فتسوء خاتمته في الدنيا، وعاقبته في الآحرة .

إن الرياح إذا اشتدت عواصفها                فليس ترمى سوى العالي من الشجر

الفائدة الثالثة: أن الزرع وإن كان ضعيفا فإنه يتقوى بعضه ببعض، فهو يعتضد بما يخرج حوله، وكذلك المؤمنون بعضهم أولياء بعض، فبينهم الموالاة، والمحبة، والنصرة، وقد وصف الله عز وجل النبي وأصحابه بالزرع الذي يتقوى بعضه ببعض فقال تعالى:  ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه [الفتح:29].

فقوله: أخرج شطأه أي فراخه: فآزره أي ساواه، وصار مثل الأم وقوي به،  فاستغلظ أي غلظ.

وقال عز وجل: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [التوبة:71]، فالمؤمنون بينهم ولاية، وهي مودة ومحبة باطنة، وقلوبهم على قلب رجل واحد.

وقال تعالى: إنما المؤمنون إخوة [الحجرات:10].

والمنافقون قلوبهم مختلفة، وأهواؤهم غير مؤتلفة، فهم بعضهم من بعض في جنس الكفر والنفاق، كما قال تعالى: المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض [التوبة:67]. ولكنهم ليس بينهم من المحبة والائتلاف كما بين المؤمنين قال تعالى: تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى [الحشر:14].

قال النبي : ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه))([13]).

وقال : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالحمى والسهر))([14]).

الفائدة الرابعة: أن الزرع ينتفع به بعد حصاده، فقد يستخلف غيره أو يبقى منه ما يلتقطه المساكين وترعاه البهائم.

وهكذا المؤمن يموت ويخلف ما ينتفع به ،من علم نافع أو صدقة جارية، أو ولد صالح ينتفع به.

وأما الفاجر فإذا اقتلع من الأرض لم يبق فيه نفع، وربما أثر ضررا، فهو كالشجرة المنجعفة لا تصلح إلا لوقود النار .

الفائدة الخامسة: أن الزرع مبارك في حمله، كما ضرب الله مثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء.

وليس كذلك الشجر، لأن كل حبة مما تغرس منه لا تزيد على نبات شجرة واحدة منها.

الفائدة السادسة: أن الحب الذي  ينبت من الزرع هو مؤنة الآدميين وغذاء أبدانهم، وسبب حياة أجسادهم، فكذلك الإيمان هو قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وسبب حياتها، ومتى فقدته القلوب ماتت، وموت القلوب لا يرجى معه حياة أبدا، بل هو هلاك الدنيا والآخرة كما قيل:

ليس من مات فاستراح بميت                         إنما الميت ميت الأحياء 

فلذلك شبه المؤمن بالزرع، حيث كان الزرع حياة الأجساد، والإيمان حياة الأرواح.

وأما ثمر بعض الأشجار العظام كالصنوبر ونحوه فليس فيه نفع، وربما لا يتضرر بفقده، فلذلك مثل الفاجر والمنافق به، لقلة نفع ثمره، والله أعلم.



([1])رواه البخاري (10/107) المرضى ومسلم (17/222) رقم (2810) صفات المنافقين وأحكامهم .

([2])فتح الباري (10/111) .

([3])غاية النفع في شرح حديث : ((تمثيل المؤمن بخامة الزرع)) .

([4])شرح النووي على صحيح مسلم هامش (17/223) .

([5])فتح الباري (10/111).

([6])غاية النفع (13).

([7])رواه البخاري (10/103) المرضى ، ومسلم (16/129) البر والصلة .

([8])رواه أحمد (1/174)، والترمذي (2522شاكر ) الزهد، وابن ماجة (4023) الفتن، والدارمي ( 2/320)، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في الصحيحة رقم (2280) من حديث سعد بن أبي وقاص وفي الباب عن أبي هريرة .

([9])رواه ابن حبان (2908الإحسان ) كتاب الجنائز :باب ما جاء في الصبر وثواب الأمراض ، والحاكم (1/344) الجنائز وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي : يحيى وأحمد ضعيفان، وليس يونس بحجة، والحديث له شواهد وقد حسنه الألباني في الجامع.

([10])رواه الترمذي (2526) شاكر وحسنه الألباني في الصحيحة رقم (2206) .

([11])رواه البخاري (8/530) التفسير : باب  عتل بعد ذلك زنيم دون قوله (( هم الذين لا يألمون رؤوسهم)) بنحوه، ومسلم (7/272) الجنة وصفة نعيمها وأهلها كرواية البخاري ، ورواه أحمد (2/508) من حديث أبي هريرة بالزيادة المذكورة .

([12])رواه البخاري (8/460) التفسير : سورة ق باب قوله ]وتقول هل من مزيد[ ومسلم (7/264) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها : باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء .

([13])رواه البخاري (10/464) الأدب: باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا ، ومسلم (16/210) البر والصلة : باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم .

([14])رواه البخاري (10/452)الأدب : باب رحمة الناس والبهائم ، ومسلم (16/210) البر والصلة : باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم .

الخطبة الثانية

لم ترد .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً