.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

الظلم

6796

الرقاق والأخلاق والآداب

الكبائر والمعاصي

عبد الرحمن بن الصادق القايدي

جدة

19/2/1433

جامع الأنصار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تحريم الظلم. 2- سوء عاقبة الظلم والظالمين. 3- مفاسد الظلم في الدنيا. 4- عقوبات الظالمين. 5- دعوة المظلوم.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عباد الله؛ من أشد الأمور حرمة وأسرعها عقوبة وأعجلها مقتًا عند الله وعند المؤمنين، ومن أشد ما يؤثر في النفس ويُذهب إنسانيتها، ويحيل قلب صاحبها من اللحم والدم إلى أن يصير كالحجارة أو أشد قسوة هو ذلك البلاء الخطير والشر المستطير ألا وهو الظلم، الظلم -يا عباد الله- الذي تفشَّى في مجتمعاتنا، ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل حتى على مستوى الأقارب والأرحام، بل وحتى على مستوى المجتمعات والشعوب والدول، نسأل الله العافية.

الظلم عاقبته وخيمة، وجزاء صاحبه النار، ولو بغى جبل على جبل لدُكَّ الباغي منهما، الظلم منبع الرذائل ومصدر الشرور، وهو انحراف عن العدالة، ومتى شاع وفشا في أمة أهلكها ودمَّرها.

لقد حرَّم الله الظلم على نفسه وعلى عباده، وتوعد عز وجل الظالمين بعذاب أليم في الدارين؛ وذلك لما له من عواقب وخيمة على الأفراد وعلى المجتمعات؛ قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: ((قال الله تعالى: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا))، وأخبر سبحانه أن بعض الناس ظالم لنفسه: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34].

أيها المسلمون؛ إن الله توعد الظالمين بعذاب أليم، وهذا هو عزاء المظلومين في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فإن الظالم لا يفلح في دنياه، فمن سلك طريق الظلم فإن بابه في النهاية مغلق عليه ولا يفلت؛ قال تعالى: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [القصص: 37]، وقد يُحرم الظالم من التوبة والتوفيق؛ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص: 50] وقال: فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [المؤمنون: 41].

أحبتي في الله؛ إن سبب مصائب الدنيا من أوجاع وفقر وذهاب الأولاد والأموال والقتل والتعذيب هو الظلم وقهر الرجال، إن ما تعانيه الأمة اليوم في كل مكان من اضطرابات ومظاهرات وتدمير هنا وهناك، كله بسبب الظلم وعدم العدالة؛ يقول تعالى: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الطور: 47] ومعنى دُونَ ذَلِكَ أي: قبل موتهم، عقوبة شاملة للمجتمعات الظالمة، إذا انتشر الظلم فيها وجاهر أهلها به، وأصبح الصبغة العامة لهذا المجتمع، عند ذلك يعجل الله لهم العقوبة الشاملة التي لا يكاد يسلم منها أحد، بل تعم الصالح والطالح؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة"، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102].

لقد ذكر الله لنا في القرآن ما فعله بالقرى الظالمة؛ فقال: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الأنبياء: 11] وقال: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج: 45] كل هذه عقوبات دنيوية، أما في الآخرة فقد توعد الله الظالمين باللعنة وأليم العقاب؛ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر: 52]، ويحرم الظالم يوم القيامة من شفاعة إمام المرسلين ، ومن شفاعة الصالحين الذين يأذن الله لهم بالشفاعة؛ قال تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر: 18]، ويقول: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة: 270].

معاشر المسلمين؛ يوم القيامة يصيب الظالمين الحسرة والندم، فكل ظالم سوف يندم ولا ينفعه الندم، ويتمنى لو يفتدي نفسه بكل ما في الأرض؛ يقول تعالى مبينًا هذا: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ الآية [يونس: 54]، فبعد كل هذه العقوبات المختلفة يُنكَّس الظلمة في نار جهنم، وتكون نهايتهم؛ فبئس الخاتمة عياذًا بالله؛ قال تعالى: وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [سبأ: 42].

عباد الله؛ قال رسول الله : ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة)) فقال رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ فقال: ((وإن كان قضيبًا من أراك)) رواه مسلم.

وعن أبي سلمة أنه كانت بينه وبين أناس خصومة، فذكر ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت له: يا أبا سلمة، اجتنب الأرض؛ فإن النبي قال: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين)) رواه البخاري، وقال أيضًا: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته))، ثم قرأ رسول الله : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الكريم الغفار، أحمد سبحانه وهو الحليم فلا يعجل بالعقوبة، القاهر الجبار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله كريم السجايا قدوة الأبرار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المسلمين؛ لقد بيَّن رسول الله أن دعوة المظلوم مستجابة فقال: ((واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))، دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا؛ لأن فجوره على نفسه، ولا يجوز التعدي عليه.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)).

ألا فليعلم كل من وقع في شيء من الظلم أن صاحب الحق إن لم يستوف حقه اليوم فسوف يستوفيه في موقف أشد صعوبة وأقسى على الظالم، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يستوفيه خيرًا من ذلك حسنات هي خير من الدنيا وما فيها.

إن الظلم الذي حرمه الله على نفسه وجعله بين عباده محرمًا هو الظلم الذي يمكِّن ويؤهل المعتدي من الاستيلاء على حقوق الآخرين، إنه الظلم الذي يقلب الحقائق ويغير النتائج، ويؤثر في النفس ويذهب بها، ويصبح قلب صاحبها أشد من الحجارة قسوة واستعدادًا للانتقام، ولا يبالي في النتائج مهما كانت.

أيها الظالم؛ أبشر بما أعده الله لك يوم القيامة؛ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف: 29]، أبشر بعد سعادتك بظلم الناس وفرحتك بأكل أموالهم وانتهاك حقوقهم، أبشر بمال كله حرام، كله ظلم، كله حزن، كله حسرة، كله ندم؛ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء: 227].

فيا أخي المسلم؛ أنت المحاسب، أنت المعذَّب، أنت المعاقب إذا أكلت أموال الناس ظلمًا، أو ظلمتهم في أي أمر من أمور الدنيا، وقد تكون قد نسيته، ولكنه محفوظ عند الله وقد كتبته الملائكة؛ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: 6]، قد يستبطئ الظالم العقوبة فيتمادى في ظلمه، ولا يتذكر أن الله سبحانه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فالخير يقفل في وجهه والشر والبؤس حليفه، والدعوات تنطلق بالأسحار ضده فتخترق الحجب فتصل إلى بارئها وناصرها فيقول لها: ((وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)).

نامت عيونك والمظلوم منتبه ** يدعو عليك وعين الله لم تنم

نسأل الله تعالى أن يجنبنا الظلم، وأن يكفينا شر الظالمين حيثما كانوا.

ثم صلوا على الرحمة المهداة؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين...

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً