.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

من شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم (2)

547

سيرة وتاريخ

الشمائل

أحمد فريد

الإسكندرية

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- اعتراف قريش بصدق النبي . 2- كرم النبي. 3- شجاعة النبي. 4- وفاء النبي بالوعود. 5- حسن سمت النبي. 6- طهارة النبي. 7- خوف النبي ووجله في ربه.

الخطبة الأولى

 

أما بعد:

فهذه تكملة عباد الله لشمائل المصطفى .

أما عدله وصدقه وأمانته وصدق لهجته : فكان آمن الناس، وأعدل الناس وأعف الناس، وأصدقهم لهجة منذ كان.

اعترف بذلك محادوه وعداته، وكان سمى قبل النبوة (الأمين)، وذلك لما جعل الله فيه من الأخلاق الصالحة.

ومما يدل على ذلك، أن قريشا لما بنت الكعبة، اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود موضعه؟ فحكموا بينهم أول داخل عليهم، فإذا بالنبي محمد داخلا، فقالوا: هذا محمد، هذا الأمين قد رضينا به، وذلك قبل أن يبعث.

ولقد اجتمع الأخنس بن شريق، مع أبي جهل يوم بدر، وكلاهما مخالف له وعدو له، قد أجمع على قتله وقتاله، فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم ليس هنا غيري وغيرك يسمع كلامنا، فأخبرني عن محمد أصادق أم كاذب؟ فقال أبو جهل: والله إن محمد لصادق وما كذب محمد قط.

فاعترف أعداؤه بمناقبه، ولا يقدرون على إنكار شيء من فضائله، وأدل دليل على عدله، وعظيم تواضعه وفضله، أنه كان قد انتهى به الأمر إلى أن تهابه الملوك، وتفرق منه الجبابرة، ومع ذلك فإنه كان يوفي لكل ذي حق حقه، ويعرف لذي الفضل فضله، حتى كان يقول: ((إني أريد أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في أهل ولا مال)) ولأجل ذلك أقاد عكاشة بن محصن من نفسه، وذلك أنه ضربه بقضيب في ظهره غير قاصد لضربه، فقال له عكاشة إنك قد أوجعتني فأقدني، (أي مكني منك حتى أضربك مثلما ضربتني) فكشف له عن ظهره وناوله القضيب وقال: (اضرب) فأكب عكاشة على ظهره يقبله وقال: إنما أردت أن يمس جلدي جلدك.

وأما كثرة جوده وكرمه: فشيء معلوم من شيمه، فلقد تواتر أنه كان أكرم الناس، وأجودهم، حتى أنه ما سئل شيئا قط فمنعه، إذا كان ذلك الشيء لا يمنع شرعا.

روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة ([1]).

وروى مسلم وأحمد عن أنس أن رسول الله لم يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه، قال: ((فأتاه رجل فأمر له بشاءٍ كثير بين جبلين من شاء الصدقة، قال فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخش الفاقة)).

وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: ((ما سئل رسول الله شيئا قط فقال :لا)).

وكان ربما كان السائل لا يجد عنده شيئا، فيأخذ له بالدين ويعطيه السائل حتى يقضيه النبي   .

وكان هذا معروفا من شيمه قبل بعثته، حتى قالت له خديجة رضي الله عنه: إنك لتحمل الكلّ، وتقري الضيف، وتُكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر.

وأما شجاعته ونجدته : فكان منها بالمكان الذي لا يجهل، وحظه منها الحظ الأوفى الأفضل، فقد كان مارس الضراب، ووقف مواقف الصعاب، لا يبالي بكثرة العدد، ولم يفر قط أمام أحد، وما من شجاع إلا وقد أحصيت له فرة، وإن كان له بعدها كرة إلا هو ، فلم يدبر قط منهزما ولا فارق مكرها ملتزما.

كان علي بن أبي طالب يقول: كنا إذا اشتد البأس وحميت الحرب اتقينا برسول الله ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتنا يوم بدر نلوذ برسول الله وهو أقربنا إلى العدو، ولقد كانت الصحابة تقول إن الشجاع منا للذي يقوم بجانبه يستتر به.

وقيل لـ(أنس) أفررتم يوم حنين عن رسول الله فقال: لكن رسول الله لم يفر.

ثم قال: لقد رأيته على بغلته البيضاء وأبو سفيان آخذ بلجامها والنبي يقول:

((أنا النبي لا كذب    أنا ابن عبد المطلب ))([1]).

قيل: فما رؤي يومئذ أحد كان أجرأ منه ولا أشد، وقد روي عنه أنه نزل عن بغلته متوجها نحو العدو.

وقال العباس بن عبد المطلب: لما التقى المسلمون والكفار يوم حنين ولى المسلمون مدبرين فطفق النبي يركض بغلته نحو الكفار قال ابن العباس: وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع.

وفي الصحيحين واللفظ عن أنس قال: كان رسول الله أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة في عنقه السيف وهو يقول: ))لم تراعوا لم تراعوا. قال: وجدناه بحرا أو إنه لبحر- (والبحر الواسع الجري)- قال: وكان فرسا يبطأ)) ([1]) .

وأما وفاؤه بالوعد:

فلا يتمارى فيه إلا خسيس وغد، فقد كان أحفظ الناس بعهد، وأوفاهم بميثاق ووعد، وأحسنهم جوارا، وأصدقهم قولا وأخبارا، وكان المعلوم من سيرته أنه كان يعتقد العقود والمواثيق بينه وبين عداته، وغيرهم فيفي بها ويؤذنهم بانقضائها عند تمامها، ولم يغدر قط في شيء منها، ولقد كان هذا معروفا عند أعدائه، كما هو معروف عند أوليائه.

ولما سأل هرقل ملك النصارى كفار قريش عن صفات النبي قال: فهل يغدر؟ قالوا له: لا. فقال لهم: كذلك الرسل لا تغدر ([1])، وكيف يغدر وهو يقول: ((ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به يقال هذه غدرة فلان))([1]).

ولقد جاءه المغيرة بن شعبة مسلما، وجاء معه بمال قوم من الجاهلية كان قد صحبهم ثم قتلهم وأخذ أموالهم، فقال له النبي : ((أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء)).

ولما بلغ ملك عمان أن رسول الله يدعوه إلى الإسلام قال: والله لقد دلني هذا أن هذا نبي، أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهود، وينجز الموعود، أشهد أنه نبي.

وأين هذا عباد الله مما يحكي اليهود والنصارى في كتبهم، من أن موسى عليه السلام لما أراد الخروج من مصر استعار حُليّ بني إسرائيل، ثم فر بها ليلا.

وعند الانتهاء إلى هذا المقام، يعلم العاقل ما في كتب القوم من الأباطيل والأوهام، وموسى عليه السلام مبرأ عن النقائض والآثام.

ومن وفائه بالعهد وقيامه في حفظه بالحد، أنه قدم عليه وفد النجاشي فقام يخدمهم بنفسه، فقال له أصحابه: نحن نكفيك، فقال: ((إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وإني أحب أن أكافئهم )).

وحقيقة الوفاء بالعهد تتميم ما ربط من العقد، ومراعاة ما تقدم من الود، ومكافأة من له يد، وقد كانت هذه الخصال اجتمعت فيه لا ينازعه في ذلك أحد.

وأما حسن سمته وتؤدته وكثرة حيائه ومروءته.

فشيء لا يجحد ولا يجهل، ولا يلحقه في شيء من ذلك أحد.

كان كثير الصمت والوقار، طويل الإطراق والاعتبار، تكسو هيبة وقاره جلساءه، حتى إذا جلسوا بين يديه، كأن على رؤوسهم الطير إعظاما له وهيبة منه.

مجلسه أوقر المجالس، لا يسمع فيه صخب الأصوات، ولا اختلاط اللغات، ليس فيه مراءٌ ولا جدال، ولا للهجر والفحش فيه مجال، لا تؤبن في مجلسه الحرم، ولا يغض فيه من الأقدار والقيم، بل كان مجلس علم، وأصحابه يعظمون في مجلسهم معه حرمات الله، ويتعلمون منه أحكام الله، فتارة يعلمهم أمور الآخرة كأنهم ينظرون إليها، وأخرى يعلمهم أحكام شريعته كي يعملوا بها.

روى البخاري عن أبي سعيد قالL( كان النبي أشد حياء من العذراء في خدرها)) ([1]).

وروى أبو داود عن عائشة قالت: ((كان النبي إذا بلغه عن رجل شيء لم يقل ما بال فلان يقول. ولكن يقول ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ))([1]).

وروي في الحديث أن رسول الله قال: ((لا يبلغني أحد عن أحد شيئا إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ))([1]).

وروى البخاري عن عائشة: ((أن رسول الله كان يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه ))([1]).

وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: ((ما عاب رسول الله طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه ))([1]).

وكان كلامه فصلا يفهمه كل من سمعه، وربما تكلم بالكلمة ثلاثا حتى تفهم عنه، وكان يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه، وكان إذا مر بقوم يسلم عليهم ثلاثا، وكان يحافظ على مروءته، وعلى استقامة حالته، وتحسين هيئته، يمشي هونا كأنما ينحط من صبب .

وكان يحب الطيب وقال : ((حُبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة ))([1]).

وكان يستعمل السواك وخصال الفطرة.

وأما خوفه من الله تعالى واجتهاده في عبادته: فقد بلغ من ذلك إلى حد لم يبلغه أحد من الخليقة، وذلك أن الله تعالى  كلفه من وظائف العبادات ما لم يكلف به أحد من الخليقة، وهو مع ذلك لا يقصر في شيء منها، بل كان يبذل غاية اجتهاده ووسعه في أدائها، فمن العبادات التي كلف بها تحمل أعباء الوحي ومشقة ثقله، فقد كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا.

ولأجل هذا قال الله تعالى: إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً [المزمل:5].

فكان يعرض نفسه ودينه على قبائل العرب وعلى وفودها إذا قدموا مكة لمواسم الحج، فيعيب آلهتهم، ويسفه أحلامهم، فيردون عليه قوله، ويكذبونه، ويسبونه، ويؤذونه بأقصى ما يمكنهم من أنواع الأذى، فيصبر على ذلك ويحتسب ما يلقاه على الله، فلسان حاله ينشد:

لا أبالي إذا رضيت إلهي                     أي أمر من الأمور دهاني

فأقام على ذلك بمكة ثنتي عشرة سنة، يدعو الناس من غير قتل ولا قتال، وذلك كله ليظهر الإسلام، وتنتشر دعوته، لئلا يكون لأحد حجة على الله ورسوله.

وبعد ذلك أمر بالهجرة من مكة إلى المدينة، ففارق أهله وعشيرته وحاله وماله وولده وبلده، ولم يعظم عليه مفارقة شيء من ذلك في ذات الله، فترك كل ذلك إلى الله فوقع أجره على الله.

فلما حل بالمدينة افترض الله عليه القتال، فقاتل في ذات الله جميع من كفر بالله غير مقصر في ذلك ولا مفرط بل جادا مجتهدا، حتى أظهر الله دينه وإن رغمت أنوف الجاحدين.

 وفي كل ذلك الزمان كان يقوم بوظائف الشريعة وعباداتها، فصلى حتى تورمت قدماه، وصام حتى كان القائل يقول لا يفطر لكثرة ما كان يرى من صومه ووصاله.

وكان يذكر الله ويعظمه ويمجده ويشكره على كل أحواله من غير تقصير ولا فتور، ولا تشغله عبادة عن عبادة، ولا عمل زمان عن عمل زمان آخر.

وكان عمله دائما، وكذلك كان يقول : ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)) ([1]) فكان يراعي أنفاسه مع الله لا يضيع شيئا مما كلفه خوفا من الله وكان يقول : ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا))([1]).

وكان يقول: ((والله إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية ))([1]).

ووصف خوفه يطول، ومعرفة ذلك من حاله لا ينكره عليم ولا جهول، إذا كان من أهل الإنصاف والعقول.

وعلى الجملة فمناقبه الشريفة لا تحصى، وما خص به من الأخلاق الكريمة عدد الحصى، كيف لا ؟ وقد قال الله تعالى: وإنك لعلى خلق عظيم [القلم:4].

وما عظمه العظيم فهو عظيم، وكيف لا يكون كذلك وقد بعثه الله متمما لمكارم الأخلاق.

الخطبة الثانية

لم ترد .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً