.

اليوم م الموافق ‏18/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

من شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم (1)

546

سيرة وتاريخ

الشمائل

أحمد فريد

الإسكندرية

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الأمر بالتأسي بالنبي. 2- جمال خلقته . 3- نسبه وبلاده . 4- الضروريات الخمس التي بعث رسول الله لصيانتها. 5- عفو النبي عمن أساء إليه. 6- تواضعه .

الخطبة الأولى

 

اعلموا عباد الله أن رسول الله كان أكمل الناس خلالا، وأفضلهم حالا، وأفصحهم مقالا، وقد امتن الله عز وجل علينا ببعثته فقال عز وجل: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم [التوبة:128]. وزكاه الله عز وجل: وإنك لعلى خلق عظيم [القلم:4].

ثم أمرنا الله عز وجل بالاقتداء به ، والاهتداء بهديه، والتخلق بأخلاقه، فقال عز وجل:  لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [الأحزاب :21].

أما كمال خلقته وجمال صورته فشيء معلوم لا يُجهل، معروف لا يُنكر، فقد كان أزهر اللون أبيض مستنير مائل إلى الحمرة، واسع الجبين، أدعج العينين (الدعج: شدة سواد العينين مع سعتهما) وقيل: أكحل، أهدب الأشفار ([1])، مفلج الأسنان، كث اللحية تملأ صدره، عظيم المنكبين، رحب الكفين والقدمين، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد، رجل الشعر ([2])، إذا تكلم رؤي كالنور يخرج من ثناياه .

روى البخاري عن البراء بن عازب أنه سئل: أكان رسول الله مثل السيف؟ قال: لا، بل مثل القمر ([3]).

وروى يعقوب بن سفيان عن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلت للربيع بنت معوذ: صفي لي رسول الله قالت: يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة .

وثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله كان يضرب شعره إلى منكبيه ([4]).

قال ناعته: ما رأيت أحدا في حلة حمراء مرجلا، أحسن منه ، كأن الشمس تجري في وجهه، وإذا ضحك يتلألأ في الجد، وأجمل الناس من بعيد، وأحسنه من قريب، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه .

قال ناعته: لم أر قبله ولا بعده، طيب الرائحة والعرق، ولقد كان يعرف برائحته وإن لم ير، ولقد كان يضع يده على رأس الطفل رحمة له فكانت تشم عليه رائحة طيبة .

وأما فصاحة لسانه :

فقد أطل من الفصاحة على كل نهاية، وبلغ من البلاغة كل غاية، فقد أوتي جوامع الكلم، وبدائع الحكم فلقد كان يخاطب كل حي من أحياء العرب بلغتهم، مع أنه إنما نشأ على لغة بني سعد وقريش، وكان يعرف لغات غيرهم، حتى كانوا يتعجبون منه ويقولون: ما رأينا بالذي هو أفصح منك.

وأما نسبه :

فمعلوم لا يجهل، ومشهود لا ينكر، جده الأعلى إبراهيم، والأقرب عبد المطلب، كابرا عن كابر، وشريفا عن شريف، فهم بين أنبياء فضلاء، وبين شرفاء حكماء، فهو من خير قرون بني آدم، وذلك أن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم، ومن ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاه من بني هاشم، فهو خيار من خيار من خيار، وكذلك الرسل تبعث في أشرف أنساب قومها، ليكون أميل لقلوب الخلق إليهم.

وأما عزة قومه :

فقد كانوا في جاهليتهم لم ينلهم سباء، ولا ظفرت بهم أعداء، ولا دخلوا في أغلب أزمانهم تحت قهر غيرهم، بل كانوا قد حازوا الشرف الباهر والمفاخر والمآثر، هم أوفر الناس عقولا، وأقلهم فضولا، وأفصح الناس مقالا، وأكرمهم فعالا، الشجعان الكرماء، والحكماء الأدباء.

وأما أرضه :

فناهيك عن أرض أسس بقيتها إبراهيم الخليل، وأمره بأن يدعو الناس إليها الملك الجليل، وتولى عمارتها والمقام بها النبي إسماعيل، وتوارثها الأشراف جيلا بعد جيل، وكفى بلدته شرفا ما فعل الله بملك الحبشة الذي جاء لهدمها، فلما قرب منها وعزم على هدمها ووجه فيله عليها، أرسل الله عليهم طيرً أبابيل.

ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل % وأرسل عليهم طيرا أبابيل % ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول [سورة الفيل].

وأما شريعته : فانقسمت إلى أمور تعبدية مثل الصلاة والصوم والحج، وأمور مصلحية وهي التي يعبر عنها بالقوانين الشريعية، ويقضي العقلاء منها العجب، وقد أطل منها على أعلى المراتب والرتب، فقد اعتبر أصول مصالح العالم فأوجبها، واعتبر أصول مفاسد العالم وحرمها.

وأصول المصالح إنما هي خمسة: المحافظة على صيانة الدماء في أهُبِها، والأموال على ملاكها، والأنساب على أهليها والعقول على المتصفين بها، والأديان التي بها حياة النفوس وزكاتها.

فأصول الشريعة وإن تعددت صورها فهي راجعة إلى هذه الخمسة.

أما الدماء: فحقنها بأن شرع أن من قتل يقتل، ومن جرح يجرح، ومن فقأ عين إنسان فقئت عينه. فإذا علم القاتل أنه يفعل به مثل ما فعل انكف عن القتل، فحصلت حياة النفوس، وصيانة الدماء، ولأجل ذلك قال الله تعالى: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب [البقرة:179].

وأما الأموال: فصانها على ملاكها بأن شرع قطع يد السارق للنصاب، وقتل المحارب، وغرم مثل المتلف أو المغصوب، إذا كان مما له مثل، فإذا علم السارق والمحارب أنهما يعاقبان بما يناسب جنايتهما ارتدعا وانكفا فانحفظت الأموال.

وأما العقول: فحرم استعمال ما يؤدي إلى تلفها وذهابها كالخمر، وذلك أن مناط التكليف العقل، فإذا أذهبه الإنسان بالخمر وما في معناه فقد تعرض لإسقاط التكليف، وللكفر بالله تعالى بل لكل المفاسد.

قال الله تعالى: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون [المائدة:90-91].

وأما حفظ الأنساب وصيانة اختلاط المياه في الأرحام: فشرع النكاح. وحرم السفاح، لينتسب كل ولد لوالده، ويتميز الولي عن مضاده، ولينضاف كل إلى شيعته، ويتحقق نسبته بقبيلته، ولأجل هذا قال الله تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا [الحجرات:13].

ولو لم يكن هذا لارتفع التعارف ولم يسمع، ولا تسع الخرق ولم يرقع.

وأما المحافظة على الأديان وصيانتها: فهو المقصود الأعظم، والمستند الأعصم، فحرم الكفر والفسوق والعصيان، وأوجب الطاعات والإيمان وأوجب قتل المرتد وتوعده بالعذاب الدائم والهوان.

ولا يخفى على من معه أدنى مسكة، اذا تأمل بأدنى فكرة أن الإيمان بالله رأس المصالح والخيرات، والكفر رأس المقابح والمهلكات، ولأجل وجوب الإيمان وتحريم الكفران أرسل الله الرسل وأنزل الكتب ولأجل ذلك قال الله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [الذاريات:56].

وأما صبره وحلمه :

فيكفيك من ذلك أنه كسرت رباعيته يوم أحد وشج وجهه، فشق ذلك على أصحابه، فقالوا له: لو دعوت الله عليهم، فقال: ((إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة ))([5])، ثم قال ((اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون))، فانظروا عباد الله في هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسان وحسن الخلق إذ لم يقتصر على السكوت عنهم حتى عفا ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا، وشفع لهم ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله ((قومي)) ثم اعتذر عنهم لجهلهم فقال: ((فإنهم لا يعلمون)) .

وكذلك جاء أعرابي جلف جاف، وكان على النبي ((برد)) غليظ الحاشية، فجذبه الأعرابي بردائه جبذاً شديدا حتى أثر حاشية البرد في صفحة عنقه، ثم قال: يا محمد احملني على بعير من مال الله الذي بيدك فإنك لا تحملني من مالك ولا من مال أبيك. فسكت النبي وقال: ((المال مال الله وأنا عبده ثم قال له: لم فعلت بي ما فعلت ؟ قال لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة فضحك رسول الله ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير وعلى آخر تمر)) .

وكذلك قال له آخر: اعدل يا محمد فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فقال النبي : ((ويلك إن لم أعدل أنا فمن يعدل ؟ أيأمنني الله على خزائنه ولا تأمنوني))([6]).

قال بعض الصحابة: ما رأيت رسول الله منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم يكن حرمة من محارم الله تعالى ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله وما ضرب خادما ولا امرأة.

فقد كان أحلم الناس عند مقدرته، وأصبرهم على مكرهته، وامتثل أمر الله حيث قال له:  خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [الأعراف:199].

وأما تواضعه على علو منصبه ورفعة رتبته فكان أشد الناس تواضعا وأبعدهم عن الكبر وحسبك أن الله خيره أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا .

قال أبو أمامة: خرج علينا رسول الله متوكئا على عصا، فقمنا له فقال: ((لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا))([7]) وقال: ((إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ))([8]).

وكان يركب الحمار ويردف خلفه، ويعود المساكن، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبيد، ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيث انتهى به المجلس .

وقال ُ: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ))([9]).

وكان يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السخنة فيجيب ([10]) .

وقد حج وكان عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم ([11])، هذا كله وقد أقبلت عليه الدنيا بحذافيرها وألقت إليه أفلاذ كبدها فلم يلتفت إليها ولا عبأ بها، وكان في بيته في مهنة أهله، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويعلف ناضحه، ويقم البيت ويعقل البعير، ويأكل مع الخادم.

أما خلقه :

فيكفيه قول الله عز وجل: وإنك لعلى خلق عظيم [القلم:4].

عن سعد بن هشام قال: (سألت عائشة أم المؤمنين فقلت: أخبريني عن خلق رسول الله فقالت: أما تقرأ القرآن ؟ فقلت: بلى فقالت: كان خلقه القرآن) ([12]).

ومعنى هذا أنه كان عليه الصلاة و السلام مهما أمره القرآن امتثله، ومهما نهاه عن شيء تركه، هذا مع ما جبله الله عليه من الأخلاق العظيمة، التي لم يكن أحد من البشر ولا يكون من اتصف بأجمل منها، وشرع له الدين العظيم، الذي لم يشرع لأحد قبله، وهو مع ذلك خاتم النبيين، فلا رسول لله بعده ولا نبي .

فكان فيه من الحياء والكرم والشجاعة والحلم والصفح الرحمة وسائر الأخلاق الكاملة ما لا يحد ولا يمكن وصفه .

روى البخاري عن البراء بن عازب قال: ((كان رسول الله أحسن الناس وجها وأحسن الناس خلقا ))([13]).

ورواه مسلم بلفظ ((كان رسول الله أحسن الناس خلقا ))([14]).

وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما ضرب رسول الله بيده شيئا قط، لا عبدا ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا نيل منه شيء فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل ))([15]).

وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو قال: ((لم يكن النبي فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقا))([16]).

وفي صحيح مسلم عن أنس قال: ((لما قدم رسول الله المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بنا إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن أنساً غلام كيس، فليخدمك، قال فخدمته في السفر والحضر، والله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا، ولا لشيء لم أصنعه لِمَ لَمْ تصنع هذا هكذا ))([17]).

 

 



([1])أي طويل الأشفار.

([2])في شعره حجونة أين تثن قليل .

([3])البخاري في صفة النبي والترمذي في المناقب برقم 3640 قال الألباني وكذا الدرامي (1/32) والطيالسي  (2411) وأحمد (4/281) وقال الترمذي : ((حديث حسن صحيح )) ، مختصر الشمائل (27).

([4])البخاري (10/356) اللباس : باب الجعد ، ومسلم (15/92) الفضائل : باب صفة شعر النبي .

([5])وقال الألباني : وكسر رباعيته وشج رأسه ثابت في مسلم (5/179) من حديث أنس ورواه البخاري معلقا فقه السيرة (275) بتحقيق الألباني .

([6])رواه البخاري (6/617،618) المناقب : علامات النبوة في الإسلام وفي فضائل القرآن وفي استتابة المرتدين ومسلم (7/159) الزكاة : باب ذكر الخوارج وصفاتهم.

([7])رواه أبو داود (5208) الأدب وضعفه الألباني ، لكن المعنى صحيح وقد ثبت النهي في صحيح مسلم      (413).

([8])رواه ابن سعد عن يحي بن أبي كثير مرسلا وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/61) رقم 8.

([9])البخاري (1/478)الأنبياء : باب قول الله تعالى: واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها (مريم:16) والإطراد ، مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه وذلك أن النصارى أفرطوا في مدح عيسى وإطرائه بالباطل ، وجعلوه ولدا ، فمنعهم النبي من أن يطروه بالباطل .

([10])رواه البخاري في البيوع برقم 1046 والنسائي في البيوع وابن ماجة في (الأحكام)) والترمذي في البيوع برقم 1215- مختصر الشمائل (رقم 287) والإهالة السخنة الدهن التي تغير ريحها من طول المكث .

([11])رواه الضياء في المختارة من طريق أنس وله شاهد عن ابن عباس ورواه البخاري من طريق أخرى عن أنس مختصرا مختصر الشمائل (288).

([12])رواه أحمد (6/91،163) والبخاري في الأدب المفرد (1/407) رقم 307 وصححه الألباني في صحيح الجامع (4/238).

([13])الذي في صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال : كان رسول الله أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير (6/564) المناقب : باب صفة النبي .

([14])مسلم (15/71) الفضائل : باب حسن خلقه .

([15])مسلم (15/84،85) الفضائل : باب مباعدته للآثام واختياره من المباح أسهله .

([16])مسلم (15/78) الفضائل : كثره حيائه ، البخاري (6/566) المناقب : يباب صفة النبي .

([17])مسلم (15/70) الفضائل : باب حسن خلقه .

الخطبة الثانية

لم ترد .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً