.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

خصائص جزيرة العرب

6603

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأزمنة والأمكنة

عمر بن عبد العزيز الدهيشي

الرياض

11/5/1432

جامع الفدَّا

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل بلاد الحرمين. 2- خصائص الجزيرة العربية. 3- مكانة بلاد الحرمين.

الخطبة الأولى

عباد الله، دار النصرة والقبلة، حبيبة المسلمين، عدوة الكافرين والمفسدين، الدار الأولى لظهور الإسلام، والخط الأخير في غرة الوجود الإسلامي، معقل المسلمين وعاصمتهم الخالدة، مهوى أفئدة المؤمنين، ومحط آمال المصالحين، ومطمع الأعداء والمفسدين، إنها الجزيرة العربية، أو جزيرة العرب أو بلاد العرب.

عباد الله، إن الله سبحانه وتعالى قد رتب أحكام هذه الدنيا على أسباب ظاهرة، ولم يجعلها قدرية محضة، وإن دين الإسلام هو قدر الله تعالى في هذه الجزيرة، وقد اختصت بخصائص ميزتها من بين بلاد العالم، وتميزت بمزايا دينية وعقدية دون سائر المعمورة، وارتبطت بها أحكام وحدود يمنع تجاوزها، ويجب الحفاظ عليها، بل هي من آخر ما عهده النبي وهو على فراش الموت إلى أمته؛ لتصبح الجزيرة شخصية مستقلة في قيادتها وأرضها وأهلها ودعوتها على رسم منهاج النبوة لا غير، وإذا ما عدت يومًا نفسها مثل أي قطر من الأقطار فإنها تعمل على إسقاط نفسها من سجل التاريخ وتقضي على ميزتها في خريطة العالم.

وجزيرة العرب هي الأرض المباركة التي اكتسبت شرف الإضافة إلى سكانها، المحفوفة بثلاثة أبحر، صيانة لها عن تكاثر الدخلاء عليها، كما قال أحد الأعراب: (الحمد لله الذي جعل جزيرة العرب في حاشية وإلا لدهمت هذه العُجْمان خضراءَهم). فمن الغرب بحر القُلزم والمعروف الآن بالبحر الأحمر، وجنوبًا بحر العرب، وشرقًا الخليج العربي، وشمالًا ساحل البحر الأحمر الشرقي الشمالي.

عباد الله، من خصائص جزيرة العرب أنها حرم الإسلام فهي معلمه الأول، وداره الأولى، قصبة الديار الإسلامية، وعاصمتُها، وقاعدة لها على مر العصور، وكر الدهور، منها تفيض أنوار النبوة الماحيةُ لظلمات الجاهلية، ولذلك جاءت المنح المحمدية في صحيح السنة بما لهذه الجزيرة من خصائص وأحكام؛ لتبقى هذه المنطقة قاعدة الإسلام دائمًا كما كانت قاعدتَه أولًا، ومعقل الإيمان آخرا كما كانت سابقًا، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : ((إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)) رواه مسلم. فمنذ بعثة النبي وهي وإلى يومنا هذا دار إسلام ولله الحمد، ولم يُعرفِ الشرك فيها إلا جزئيا على فترات في فرد أو أفراد، ثم يهيئ الله على مدى الأزمان من يردهم إلى دينهم الحق.

ومن خصائصها أنها وقف في الإسلام على أهل الإسلام على من قال: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وقام بحقهما، فجزيرة العرب وديعة النبي إلى أمته التي استحفظهم عليها في آخر ما عهده النبي ، فهي دار طيبة لا يقطنها إلا طيب، ولما كان المشرك خبيثًا بشركه حرمت عليه جزيرة العرب، عن عمر بن الخطاب قال: قال : ((لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدعَ إلا مسلمًا)) رواه مسلم، وقالت عائشة رضي الله عنها: آخر ما عهد النبي : ((لا يُترَك بجزيرة العرب دينان)) رواه أحمد.

ومن خصائص هذه الجزيرة المباركة أن الإسلام حين يضطهد في دياره خارجها فإنه ينحاز إلى هذه الجزيرة ويأوي إليها، فيجد كرم الوِفادة بعد الغربة وطول المحنة، عن ابن عمر قال: قال : ((إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها)) رواه مسلم. فالنبي ربط بين غربة الإسلام ثم احتضان هذه الجزيرة له انتشالًا من غربته.

 ومن أعظم خصائص هذه الجزيرة احتضانها للحرمين الشريفين مكة والمدينة حرسهما الله تعالى أشرف البقاع، وخير البلاد على الإطلاق، ولكل منهما خصائص تختص بها وفضائل تدل على مكانتها وشرفها، قال تعالى عن مكة: وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا. فالأفئدة إليه تنجذب، والقلوب إليه تنعطف، يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يقضون منه وطرًا، بل كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقًا، وقد أقسم سبحانه بهذا البلد في موضعين من كتابه الكريم قال سبحانه: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وقال تعالى: وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ، وقال : ((من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) متفق عليه، وليس على وجه الأرض بقعة يجب على كل قادر السعيُ إليها والطواف بالبيت الذي فيها غيرها، وليس على وجه الأرض موضعٌ يشرع تقبيله واستلامه وتحط الخطايا والأوزار فيه غير الحجر الأسود والركن اليماني.

أما مدينة رسول الله فهي طيبة وطابة الطيبة، دار الهجرة والمدينة النبوية المنورة، وهي حرم مثل مكة، وليس في الدنيا ما يطلق عليه اسم الحرم سواهما قال : ((إنها حرم آمن)) رواه مسلم. وهي بلاد مباركة بدعوة النبي فقد قال: ((اللهم اجعل في المدينة ضعفي ما جعلته بمكة من البركة)) متفق عليه. وقد خص النبي أهلها وسكانها بخصائص فقال : ((لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعًا يوم القيامة)) رواه مسلم، وقال : ((من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت، فإني أشفع لمن يموت بها)) رواه الإمام أحمد، وقال : ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه)) رواه مسلم.

عباد الله، هذه بعض من خصائص الجزيرة العربية وطرف من مزاياها التي أكرمنا الله العيش فيها والعمل في صالحها ومصالحها، فلنقدر لهذه النعمة قدرها، ولنحفظ هذه البلاد بما أوتينا من قوة وعزيمة، ولنسعَ في عمارتها وترابطها وتقويتها؛ ليعود لها عزها وتحافظ على مكانتها ومنزلتها، وتبقى شامخة بقاء هذه الدنيا لا يثنيها إرجاف المرجفين ولا تخذيل المخذلين، وإن هناك ضمانات لحماية هذه الخصائص ودعائم لحفظ هذه المزايا سنأتي عليها في جمعة قادمة بإذن الله تعالى.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خير النبيين وإمام المرسلين .

أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى.

عباد الله، إن لجزيرة العرب مكانة سامية تتميز بها في خريطة العالم، ما يجعل فعاليتها في أمم الأرض تفوق تلك المؤتمرات التي هي في حقيقتها تآمر على ما ينبزونه توهينًا باسم العالم الثالث الذي ليس بعده في حسبانهم من رابع، وباسم الشرق الأوسط لتبقى منطقةُ العرب والمسلمين منطقةً جغرافيةً فحسب، لا اختصاص لها بعرب ولا بمسلمين، وهو من تخطيط يهود قبحهم الله، يرمي بعدُ إلى تسويغ إقامة دولة يهودية خسئوا، أو إقامة دولة عظمى لحلفائهم المخلصين وأصدقائهم المطيعين من الصفويين الفارسيين الرافضيين، وما فتئت تلك الحملات المغرضة الموجهة لهذه الجزيرة بين الحين والآخر في بث الشبه ونشر الشهوات والدعوة إلى الفوضى والمظاهرات ودعم الطابور الخامس، لتفرقة الجمع وتقسيم الدولة إلى دويلات كي يسهل التقامها، ويتيسر اجتثاثها، وتصبح لقمة سائغة لأعداء هذه الجزيرة، وما ذاك إلا حسدًا لأهل الإسلام والعرب خصوصًا، وسعيًا لإطفاء جذوة الإيمان من القلوب، وطمعًا فيما تملكه من خيرات جوفية، وممتلكات تاريخية، وتضاريس طبيعية، ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد، فالله سبحانه حافظ مقدساته وحاميها من أن يسمها يد عابث أو تسعى فيها يد غادر، ثم بما تملكه الجزيرة العربية من ترابط بين الشعوب وحكامها وتعاون وتضافر للجهود، وحماية للثغور، أدام الله علينا نعمه، وأسبغ علينا فضائله، ورزقنا الحمد والشكر على الدوام وفي كل الأزمان.

هذا وصلوا وسلموا...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً