أما بعد: أيها المسلمون، لقد تقرحت أكباد الصالحين كمدًا مما يجري في غزة من الأرض المباركة، مناظر مفزعة متوالية، القتل بطريقة وحشية تفوق كل طريقة، مسلسلات من الرعب، واستخدام أسلحة محرمة دوليًا، وإراقة دماء الأطفال والنساء والشيوخ والعزل بطريقة بشعة، حصار جائر على ما يقرب من ملونين من البشر ذنبهم أنهم مسلمون، وصدق الله العظيم بقوله سبحانه وتعالى: لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلًا وَلاَ ذِمَّة، وهم كما وصفهم الله أيضا: وَيَسْعَوْنَ فِى الأرْضِ فَسَادًا وَللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.
وقد فجع العالم فجر يوم الاثنين الماضي بجريمة نكراء جديدة ارتكبتها الأيادي الصهيونية ضد "قافلة الحرية" أو "أسطول كسر الحصار"، وهو يتكون من عدد من السفن تضم حوالي 750 مناصرًا لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أربع سنوات، وهم يمثلون مواطني 50 دولة من بينهم عدد من البرلمانيين والمثقفين والنشطاء الحقوقيين وبعض وسائل الإعلام.
قرر هؤلاء الأحرار أن يقوموا برحلتهم هذه التي انطلقت من أكثر من دولة ليلتقي جميعها في المياه الدولية بالقرب من جزيرة قبرص، محمَّلين بعدد من المواد الغذائية والطبية وبعض مواد البناء، ليكسروا بها الحصار الظالم المخالف لكل الشرائع ولجميع القوانين الدولية وكل عقل وفطرة.
وقبل أن تصل هذه القافلة إلى المياه الإقليمية لغزة بحوالي عشرين ميلًا -وهي لا زالت في المياه الدولية- حاصرتهم السفن والبوارج الإسرائيلية الحربية لإنزال الجنود الصهاينة المدججين بالسلاح على متن هذه السفن المسالمة، وانطلقوا عليهم بالرصاص لإرهابهم وتخويفهم وجعلهم يمتثلون لأوامر تحويل الوجهة بالقوة، فقتل منهم تسعة عشر وجرح ستة وعشرين.
أيها المسلمون، إن ما يفعله اليهود من هذه التصرفات ليس بغريب، اليهود قوم كفرة مجرمون جاءت آيات وأحاديث كثيرة تفضح حالهم وتحذر منهم، شرهم طال الجميع، لم يسلم منهم أحد حتى الله جلا في علاه، لقد تطاولوا عليه سبحانه وتعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء، وهم الذين قالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء.
وَيَرَى الغَربُ بِمَجَالسِهِ الدَّولِيَّةِ وَمَحَافِلِهِ العَالمِيَّةِ وَمُؤَسَّسَاتِهِ الشَّامِلَةِ مَا يَجرِي، فَلا يُحَرِّكُ لِذَلِكَ سَاكِنًا وَلا يَرفَعُ بِهِ رَأسًا.
وَهَكَذَا يَظَلُّ العدَاءُ اليَهُودِيُّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ، وَتَبقَى سُنَّةُ اللهِ في خَلقِهِ كَمَا هِيَ: فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَّحوِيلًا، وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدُّوكُم عَن دِيَنِكُم إِنِ استَطَاعُوا، وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ اليَهُودَ هُمُ اليَهُودُ، كَانُوا وَمَا زَالُوا مُنذُ آلافِ السِّنِينَ عَلَى مَا هُم عَلَيهِ، فَهُم قَتَلَةُ الأَنبِيَاءِ وَهُم أَكَلَةُ السُّحتِ وَالرِّبَا، كَذَبُوا عَلَى اللهِ وَحَرَّفُوا كُتُبَهُ، وَنَقَضُوا المَوَاثِيقَ وَلم يَفُوا بِالعُهُودِ، لم يَعِيشُوا يَومًا إِلاَّ عَلَى الوَحشِيَّةِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ، إِنَّهُم أَشَدُّ النَّاسِ لِلمُؤمِنِينَ عَدَاوَةً بِشَهَادَةِ القُرآنِ وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا، قَالَ سُبحَانَهُ: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوَا.
وَإِنَّ مَن يَتَوَهَّمُ أَنَّ يَهُودَ اليَومِ غَيرُ يَهُودِ الأَمسِ، أَو أَنَّ المَفَاهِيمَ لَدَيهِم قَد تَبَدَّلَت حَتَّى صَارَ التَّعَايُشُ مَعَهُم بِسَلامٍ مُمكِنًا، إِنَّ مَن يَظُنُّ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَسعَى خَلفَ سَرَابٍ خَدَّاعٍ وَيَعِيشُ في سَكرَةِ وَهمٍ عَرِيضٍ، وَهَا هِيَ الأَيَّامُ تَكشِفُ لِصِغَارِ العُقُولِ ذَلِكَ الوَاقِعَ وتُبَيِّنُهُ وَتُجَلِّيهِ، مَعَ أَنَّنَا -وَرَبِّ الكَعبَةِ- لم نَكُن مِنهُ يَومًا في شَكٍّ، كَيفَ وَقَد أَخبَرَ الصَّادِقُ عَنِ استِمرَارِ خُبثِهِم وَامتِدَادِ كُفرِهِم حَتَّى يَكُونُوا مِن جُندُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ في آخِرِ الزَّمَانِ حَيثُ يَقُولُ : ((يَتبَعُ الدَّجَّالَ مِن يَهُودِ أَصبَهَانَ سَبعُونَ ألفًا عَلَيهِمُ الطَّيَالِسَةُ)) رَوَاهُ مُسلِمٌ، وَقَالَ : ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا اليَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ: يَا مُسلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقتُلْهُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَإِنَّ هَذِهِ الجَرِيمَةَ وَإِن كَانَت في النَّظَرِ الفِطرِيِّ السَّوِيِّ مَثَارَ استِنكَارٍ وَامتِعَاضٍ، وَتُعَدُّ لَدَى المُنصِفِينَ وَلَو مِن غَيرِ المُسلِمِينَ جَرِيمَةً بَشِعَةً بِكُلِّ المَقَايِيسِ وَالمَعَايِيرِ، إِلاَّ أَنَّهَا لَيسَت لِمَن يَعرِفُ اليَهُودَ بِأُولى جَرَائِمِهِم، وَلَن تَكُونَ لَدَى مَن فَقهَ السُّنَنَ هِيَ الأَخِيرَةَ، بَل إِنَّهَا لا تُعَدُّ شَيئًا يُذكَرُ بِالنَّظَرِ إِلى مَا سَبَقَ مِن شَنِيعِ أَفعَالِهِم وَقَبِيحِ جَرَائِمِهِم عَلَى مَدَى التَّأرِيخِ.
وَإِنَّ مَا فَعَلَهُ أُولَئِكَ المُجرِمُونَ مَعَ أَفرَادِ هَذِهِ الحَملَةِ الَّذِينَ هُم عُزَّلٌ وَلا يُرِيدُونَ إِلا مَلءَ بُطُونٍ جَائِعَةٍ وَإحيَاءَ أَنفُسٍ ذَاوِيَةٍ وَسَترَ عَورَاتٍ بِادِيَةٍ، إِنَّ هَذَا لَيَحمِلُ في مَضَامِينِهِ رِسَالَةً بَيّنَةَ الحُرُوفِ وَاضِحَةَ المَعنَى ظَاهِرَةَ المَغزَى، رِسَالَةً فَحوَاهَا أَن لا طَرِيقَ إِلى نُصرَةِ أَهلِ غَزَّةَ أيُّهَا المُسلِمُونَ، وَلَو جِئتُم مُسَالِمِينَ وَتَنَازَلْتم عَن كَثِيرٍ مِن حُقُوقِكُم وَحَاوَلتُمُ الوُصُولَ إِلى إِخوَانِكُم بِطُرُقٍ مُهَذَّبَةٍ وَأَسَالِيبَ مُؤَدَّبَةٍ!
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَلْنَعضَّ بِالنَّوَاجِذِ عَلَى عَقِيدَتِنَا، وَلْنَثبُتْ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الحَقِّ في كِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا، وَلا يَغتَرَّنَّ أَحَدٌ مِنَّا بما تَتَنَاوَلُهُ السَّاحَةُ السِّيَاسِيَّةُ أَوِ الثَّقَافِيَّةُ أَوِ الإِعلامِيَّةُ، مِن مُحَاوَلاتٍ لإِقنَاعِ المُسلِمِينَ بِالتَّخَلِّي عَن مَبَادِئِهِم وَالتَّنَصُّلِ مِن أُصُولِهِمُ الشَّرعِيَّةِ، وَدَمجِهِم فِيمَا يُسَمَّى بِالعَولَمَةِ أَو نَحوِهَا مِن شِعَارَاتٍ رَنَّانَةٍ بَرَّاقَةٍ، وَهِيَ في حَقِيقَتِهَا تَنَازُلٌ وَتَخَاذُلٌ، وَتَوَاطُؤٌ لا حَدَّ لَهُ وَلا مُنتَهَى.
وَمَعَ فَدَاحَةِ الحَدَثِ وَمَا أَصَابَ إِخوَانَنَا في أَرضِ المَحشَرِ مِنِ اعتِدَاءَاتٍ تُصَبِّحُهُم وَتُمَسِّيهِم إِلاَّ أَنَّنَا نَدعُو لِلتَّفَاؤُلِ وَتَلَمُّسِ جَوَانِبِ الخَيرِ، وَتَرَقُّبِ المِنَحِ في ثَنَايَا المِحَنِ، فَإِنَّ تَعَاطُفَ المُسلِمِينَ مِن مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا مَعَ إِخوَانِهِم في فِلِسطِينَ مَا زَالَ في ازدِيَادٍ، وَالكُرهَ العَالَمِيَّ لِليَهُوَدِ مَا فَتِئَ يَنمُو يَومًا بَعدَ آخَرَ، وَهَذِهِ دُوَلٌ تَسحَبُ سُفَرَاءَهَا وَمُمَثِّلِيهَا لَدَيهِم، وَأُخرَى تُلغِي زِيَارَاتٍ رَسمِيَّةً مُقَرَّرَةً، وَثَالِثَةٌ تَستَدعِي سُفَرَاءَ اليَهُودِ لَدَيهَا احتِجَاجًا عَلَى مَا فَعَلُوا، وَهُنَا احتِجَاجٌ وَهُنَاكَ استِنكَارٌ.
فَلْنُلِحَّ عَلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ، وَلْنَحذَرْ مِنَ اليَأسِ وَالقُنُوطِ، فَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ عِبَادَهُ وَأَولِيَاءَهُ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ، وَالحَقُّ مَنصُورٌ وَمُمتَحَنٌ، فَلا يأَسْ فَهَذِي سُنَّةُ الرَحمَنِ، وَإِنَّهُ وَإِن كَانَ قَد أَصَابَ إِخوَانَنَا مِنَ الابتِلاءِ أَشَدَّهُ، فَإِنَّ لِهَؤُلاءِ مِنِ انتِقَامِ اللهِ نَصِيبًا في الدُّنيَا قَد نَالُوهُ مِرَارًا، إِنْ تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإِنَّهُم يَألَمُونَ كَمَا تَألَمُونَ، وَمَوعِدُ الجَزَاءِ الأَكبَرِ يَومُ الحِسَابِ، إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ يَومَ لا يَنفَعُ الظَّالمِينَ مَعذِرَتُهُم وَلَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُم سُوءُ الدَّارِ، وَلا تَحسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعمَلُ الظَّالمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصَارُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ العَافِيَةَ، اللَّهُمَّ أَنتَ عَضُدُنَا وَنَصِيرُنَا، بِكَ نَحُولُ وَبِكَ نَصُولُ، وَبِكَ نُقَاتِلُ، اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ وَمُجرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحزَابِ، اللَّهُمَّ اهزِمِ اليَهُودَ وَانصُرنَا عَلَيهِم، اللَّهُمَّ وَزَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم.
|