.

اليوم م الموافق ‏25/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

شكر النعم

6535

الإيمان

خصال الإيمان

محمد بن خالد الخضير

الثقبة

20/4/1432

مسجد ابن حجر

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وجوب شكر النعم. 2- أعظم الشكر. 3- فضل الشكر. 4- حقيقة الشكر. 5- كلمة عن الأوامر الملكية.

الخطبة الأولى

أما بعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، استيقظوا بقوارع العِبَر، وتفكروا في حوادث الغِيَر، ففي تقلبات الدهر معتبر، وفي طوارق الأيام مزدجر، وقيدوا نعم الله عليكم بشكرها وحسن التصرف فيها؛ فإن بالشكر ازدياد النعم، وبحسن التصرف فيها تتمحض المنن، أما إذا كفرت فذلك سبب زوالها ومعول هدمها.

عباد الله، إنَّ شكرَ الله على نعمِه التي لا تعَدّ ولا تُحصَى من أعظم ما أمر الله به، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ [لقمان: 14]، وقالَ تعالى: فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ [البقرة: 152]، وقال تعالى: وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [النحل: 114].

والشّكرُ لله تعالى يقابِل الكفرَ بالله تعالى، قال الله عز وجل: إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: 2، 3].

وأعظمُ الشّكرِ الإيمانُ بالله تعالى وأداء فرائضه وواجباته والبعدُ عن محرّماته، ثمَّ شكر بقيّة النّعم إجمالًا وتفصيلًا. كما أنّ أعظمَ كفرانِ النّعم الكفرُ بالرسالةِ بالإعراض عن الإيمانِ بالله وحده وتركِ فرائضِ الله وواجباتِه وفِعل المعاصي، ثمّ كفرانُ بقيّة النّعم.

والشّكرُ لله تعالى ثوابُه عظيم وأجره كريم، ينجي الله به من العقوبات، ويدفَع الله به المكروهاتِ، قال الله عزّ وجلّ: مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِرًا عَلِيمًا [النساء: 147].

والشّكرُ تَزيد به النّعم وتدوم به البرَكات ويندفع به كلّ مكروه، قال الله عزّ وجلّ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7].

وإذا عايَن الشّاكرون بهجةَ الجنّة ونعيمَها ولذّةَ عَيشها قالوا: ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ [الزمر: 74].

والشّكرُ صِفة الأنبياءِ والمرسلين وعبادِ الله الصّالحين، قال الله تعالى عن نوحٍ عليه السلام: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء: 3]، وقال عن إبراهيم الخليل عليه السّلام: إِنَّ إِبْرٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـٰنِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأنْعُمِهِ ٱجْتَبَـٰهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ [النحل: 120، 121]، وقال عزّ وجلّ: وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ [سبأ: 13].

وحقيقةُ الشّكر ومعناه الثّناءُ على المنعِم جلّ وعلا بنعمِه وذكرُها والتحدّث بها باللسان، قال الله تعالى: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف: 69]، وقال تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ [الضحى: 11].

شُكرُ العبد لربِّه بظهورِ أثَر نعمتِه عليه، فتظهَر في القلب إيمانًا واعترافًا وإِقرارًا، وتظهَر في اللسان حمدًا وثناء وتمجيدًا وتحدّثًا، وتظهَر في الجوارح عبادةً وطاعة واستعمالًا في مَراضي الله ومُباحاتِه.

عِباد الله، إذا ما امتَلأ القلبُ شُكرًا واعتِرافًا ورَصدًا للنّعَم ظهر ذلك نطقًا ولهجًا بذكر المحامِد، وعليكم أن تتأمَّلوا كم جاءَ في السنة من أذكارِ الشكر والحمد والثناءِ على الله ربِّ العالمين في أحوالِ العبدِ كلِّها؛ يَقظَةً ومَناما، وأكلًا وشُربًا ولبسًا، ودخولًا وخروجًا وركوبًا، وحَضرًا وسَفرًا، بل في أحوال العبد كلِّها أفعالًا وأقوالًا.

والشّكرُ أيضًا محبّةُ المنعِم جلّ وعلا بالقلبِ والعملُ بما يرضيه، قال عزّ وجلّ: ٱعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ [سبأ: 13]، وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يقوم من الليل حتى تتفطّر قدَماه، فقلتُ: يا رسولَ الله، تفعل هذا وقد غفَر الله لك ما تقدّم من ذنبِك وما تأخّر؟! فقال: ((أفَلا أكون عبدًا شكورًا؟!)) رواه البخاري. فدلَّ على أنَّ العملَ بالطّاعة شكرٌ لله عزّ وجلّ.

والشّكرُ أيضًا استعمالُ النِّعمة فيما يحبّ الله تعالى، فأعضاءُ البَدَن إذا استعمَلها المسلمُ في طاعةِ الله واستخدَمَها العبدُ فيما أحلّ الله له فقَد شكَر اللهَ على أعضاءِ بدنه، وإذا استخدم العبدُ أعضاءَ بدنِه في معاصي الله فقد فاتَه شكرُ الله وحارَب ربَّه بنِعم الله تعالى عليه. والمالُ إذا أنفَقه المسلمُ في الواجبِ والمستحَبّ أو المباح يبتغي بذلك ثوابَ الله فقد شَكر الله على نعمَة المال، وإذا أنفقه العبدُ في معاصِي الله أو المكروهات أو في فضول المباحَات المضِرّة فقد فاتَه شكرُ الله عزّ وجلّ، واستعان بالمال على ما يُغضِب ربَّه، ويكون وبالًا عليه في الدّنيا والآخرة. وإذا تمتَّع العبدُ بالطيّبات والمباحات وشكرَ الله عليها وعلِم من قلبِه أنها نعمُ الله عليه تفضَّل بها على عبادِه فقد أدّى ما عليه في هذه النّعم، وإذا نسِي المنعِمَ جلّ وعلا فقَد عرّض النّعمَ للتغيُّر، قال الله تعالى: وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [النّحل: 112].

ومَهما اجتهَد المسلم وشَكر فلن يستطيعَ أن يقومَ بشكرِ نعَم الله على التّمام لقول الله تعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل: 18]، ولقولِ النبيّ: ((لن يدخلَ الجنةَ أحدٌ منكم بعمَله))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ((ولا أنا إلاّ أن يتغمّدنيَ الله برحمتِه))، ولكن حسبُ المسلمِ أن يعلمَ بأنّه عاجزٌ عن شكرِ نعمِ ربِّه، وأنّه لو شكَر على التّمام فالشّكر يحتاج إلى شكر، وحسبُه أن يمتثلَ أمرَ ربّه، ويبتعدَ عن معصيتِه، وأن يسدّد ويقارب.

بارَكَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، وسلَك بِنا سنّةَ سيّد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله المحمود بكل حال، والشكر له شكرًا في كل مقام ومقال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فسبحانه هو ذو الفضل والنوال، وإليه المرجع والمآل، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى الصحب والآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: أيها المسلمون، ومن النعم العظيمة التي تحتاج إلى شكر نعمة الأمن والأمان ورغد العيش في بلادنا، وهذا -أيها الإخوة في الله- ما جاء إلا بتوفيق الله أولا ثم بتحكيم شرع الله وبالتمسُّك بالكتابِ والسنة وتلاحم القيادة والعلماء وحبنا لقيادتنا وحب قيادتنا لنا وحرص ولاة أمرنا في هذه البلاد على تلمس احتياجات المواطنين وتتبع اهتماماتهم وعلى تحسين مستوى معيشتهم والرقي بهم إلى ما تتحقق بهم طموحاتهم وتتذلل به عقباتهم.

وقد صح الخبر عن النبي أنه قال: ((من لا يشكر الناس لا يشكر الله))، وقال : ((ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه)).

فنسأل الله أن يجزي ولاة أمرنا عنا خير الجزاء، فإن من علامات الخيرية فيهم محبتهم للناس ومحبة الناس لهم كما قال من حديث عوف بن مالك الأشجعي أنه قال: ((خيار أئمتكم من تحبونهم ويحبونكم وتصلون لهم ويصلون لكم)) الحديث، أي: تدعون لهم ويدعون لكم.

اللهم ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحا ترضاه، وأصلح لنا في ذرياتنا، إنا تبنا إليك وإنا من المسلمين.

عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً