.

اليوم م الموافق ‏11/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

دور الليبراليين في إثارة الفتن في الأزمات

6505

الأسرة والمجتمع

المرأة

عصام بن عبد الله السناني

عنيزة

22/3/1432

جامع قرطبة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الصراع بين الحق والباطل. 2- الغزو الفكري. 3- خطر اللبراليين. 4- أهداف اللبراليين. 5- التدرج في نشر الاختلاط. 6- السبيل للصلاح. 7- تحريم كل الأسباب المفضية للاختلاط. 8- التحذير من دعاة الفتنة والمظاهرات.

الخطبة الأولى

أيّها المسلمون، لا تزالُ قِوى الحقِّ والباطلِ تتصارعُ، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا [الفرقان: 31]، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوًّا شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ.

أيّها المسلمون، عرفَ الأعداءُ أن تقدُّمَ الأمَةِ وفَخارَها ومبعَثَ أمنِها وأمانها واستقرارِها مرهونٌ بسلامةِ عقولِ أفرادِها ونزاهةِ أفكارِ أبنائِها ومدَى ارتباطِهم بثوابتِ حضارتِهم وانتظامِهم منظومتَها العقديّةِ ونوعيّتها الثقافيّةِ. فإذا اطمأنَّ الناسُ على ما عندَهم من أصولٍ وثوابِتٍ وأمِنوا على ما لدَيهم من قِيَمٍ ومثُلٍ ومبادئَ فقد تحقَّق لهم الأمنُ في أَسمى صوَرِه وأجلَى معانيه وأَنبلِ مَراميه، وإذا تلوَّثت أفكارُهم بمبادئَ وافِدة ومناهجَ دخيلةٍ وأفكارٍ منحرِفةٍ وثقافاتٍ مستورَدَةٍ فقد جاسَ الخوفُ خلالَ ديارِهم وحلَّ بين ظهرانَيهم، ذلك الخوفُ المعنويُّ الذي يهدِّد كيانَهم ويقضِي على مقوِّماتِ بقائِهم.

عباد الله، لقدَ أوجَدَ الغزوُ الثقافيُّ في بلادِنَا مناخًا يتَّسِمُ بالصراعِ الفكريِّ الذي يجرُّ إلى نتائجَ خطيرةٍ وعواقبَ وخيمةٍ على مقوِّماتِ الأمّةِ وحضارتِها، فمثل هذه الدعواتِ العفنةِ في مجتمعِنا المسلمِ الغيورِ إنَّما تزرعُ بذورَ الخصامِ والعداواتِ، وتؤججُ نارَ الفُرقةِ والنزاعاتِ، وتستجلبُ غضبَ اللهِ عز وجل وسخطِه. فها نحن نسمَع أصوات تتَعالى عبرَ منابرَ إعلاميّةٍ متعدّدةٍ وجماهيريةٍ تدعو وبكلِّ بجاحةٍ إلى التخلّي عن كثيرٍ من الأمورِ الشرعيةِ والثوابِتِ المرعيّة، خاصّةً في قضايا المرأة، وتجعلُ هذه الثوابت من العاداتِ والتقاليدِ. فظهرَ لأهلِ الإسلامِ دخيلةُ أهلِ النفاقِ والشّقاقِ وسوءُ طويَّتهم، وتكشفَ رداءُ المداوَرة، وتمزّق ثوبُ المراوغةِ، وصدقَ اللهُ ومن أصدق من اللهِ قيلا: أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَٰنَهُمْ وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَٰكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَٰهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَٰلَكُمْ.

يقول حذيفة بن اليمان : كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: ((نَعَمْ))، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: ((نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ))، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: ((قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ))، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ ((نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، فَقَالَ: ((هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا)) أخرجه البخاري.

عباد الله، هؤلاء في الأمةِ كالورمِ الخبيثِ الكامنِ في الجسدِ، ينتظرُ لحظةً من الوهنِ والضعفِ ليظهرَ نفسَه، كالحرباءِ في تلونِهم، يلبسونَ جلودَ الضأنِ على قلوبِ السباعِ، يدّعونَ الإسلامَ وهو منهم براءٌ، خطرُهم على الإسلامِ أشدُّ من خطرِ الكافرِ المعلنِ لكفرِه، فهم كاللّصّ المخالط الذي يلبسُ ثوبَ صديقٍ وفيٍّ أمينٍ، فلا يحذَر جانبه. هم العدوُ الحقيقيُّ الذي يُغفَلُ عنه مع شدةِ خطرِه، هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ.

روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب أن رسول الله : ((إن أخوفَ ما أخافُ على أمتي كلَّ منافقٍ عليمٍ اللسانِ)) أي: علمُه بالإسلامِ لا يتجاوزُ حدودَ لسانِه، فكلامُه يخدعُ المؤمنينَ ويذهبُ بالقلوبِ، لكنه يضمرُ في قلبِه المكرَ والكيدَ والخديعةَ، وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ، فهم يختارونَ العبارةَ التي يخدعونَ بها الأمةَ ويزوِّقونَ بها باطلَهم، ينسبونَ لأنفسِهم كلَّ جميلٍ، فهم دعاةُ الوسطيةِ ورعاةُ المصلحةِ وأدعياءُ الحريةِ! وهم المحافظونَ على حقوقِ الوطنِ والحريصونَ على رقيِّ الأمةِ! ألسنتُهم تردّدُ: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، وهم كما قالَ اللهُ عن أسلافِهم: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ. فهلْ أصدقُ من كلامِ الله حديثًا وأوضحُ منه بيانًا؟!

إنَّ دعاةَ الفسادِ والإفسادِ ساعونَ بكلِّ وسيلةٍ لإخراجِ المرأةِ من قرارِها الذي أكنَّها عن كلِّ رذيلةٍ: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ؛ ولذا فهمْ يطرحونَ قضيةَ المرأةِ وحجابَها وعدمَ اختلاطِها بالرجالِ على أنها مجردُ عاداتٍ و تقاليدَ، وبناءً على ذلك فما يَصلحُ لجيلٍ لا يصلحُ لآخر، وما يتفقُ مع زمنٍ فلا شأنَ لهُ بباقي الأزمان.

إنَّ الهدفَ من التعبيرِ عن الأحكامِ الشرعيةِ بالتقاليدِ واضحٌ بيِّن، وهو جعلها عُرضةً للتغييرِ والتبديل، بحجةِ إنَّ تقاليدَ عصرِ الصحراءِ لن تُناسبَ عصرَ الفضاءِ، كبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ.

لا بُدَّ أن تُدرك المرأةُ المسلمةِ ويدرك وليُّها، ولا بُدَّ أن يدركَ المجتمع كلُّهُ أنَّ كلَّ دعوةٍ لإفسادِ المرأةِ ونزعِ حيائِها وسلبِ عفافِها إنَّما هي محاولةُ لهدمِ معالمِ القوةِ في الأمةِ، ليسهلَ على العدوِّ تدميرها وسلب خيراتِها. قالَ : ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ)).

قال ابنُ القيم رحمه الله: "لا ريبَ أنَّ تمكينَ النساءِ من اختلاطهِنَّ بالرجالِ أصلُ كلِ بليةٍ وشر، وهو من أعظمِ أسبابِ نزولِ العقوباتِ العامةِ، كما أنَّهُ من أسبابِ فسادِ أمورِ العامةِ والخاصةِ، واختلاطُ الرجالِ بالنساءِ سببٌ لكثرةِ الفواحشِ والزنا، وهو من أسبابِ الموتِ العامِ والطواعينِ المتصلة".

وإنَّ العجبَ لا ينقضي من أمةٍ تنعمُ بشريعةِ ربها، وتتفيأ ظلالَ نعمهِ الوارفةِ في جنةِ العفافِ وبستانِ الفضيلةِ، ثُمَّ هي تنقضُ غزلها، وتُخرِبُ بيتها بأيدِيها وأيدي أعدائِها، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

إذًا لا بُدَّ أن تعلمَ الأمةُ أنَّ المنافقينَ هُم أعداؤُها والمناصرونَ لأعدائِها، وإنَّ تستروا بعباءَةِ الوطنيةِ، والتحفوا بلحافِ الإصلاحِ والوسطيةِ، ورموا غيرَهم بالرجعيّةِ والتعصّبِ والجمودِ. إنَّ أيَّ مشروعٍ للتغييرِ لا ينبُعُ من عقيدةِ الأمّةِ وكتابِ ربِّها وسنّةِ نبيّها محمّدٍ وتوجيه أهلِ العلمِ والصلاحِ فيها هو تغييرٌ مذموم وإفسادٌ معلومٌ، يقولُ أبو بكرِ بنِ عيّاشٍ رحمه اللهُ تعالى: "إنّ اللهَ بعثَ محمّدًا إلى أهلِ الأرضِ وهم في فسادٍ، فأصلَحهم اللهُ بمحمّدٍ ، فمن دعا إلى خلافِ ما جاءَ به محمّدٌ كان من المفسدينَ في الأرضِ".

نعم أيّها المسلمون، (نحن قومٌ أعزّنا الله بالإسلام، فمتى ابتغينا العزّة في غيره أذلّنا الله).

عباد الله، كلُنا يُدركُ أنَّ فتنةَ الاختلاطِ المتدرجِ والسفورِ والتبرجِ في البلادِ المسلمةِ لم تأتِ دفعةً واحدةً، إنَّما بدأتْ بمحاولةِ إيجادِ المناسباتِ التي تمكنُ للنساءِ من حضورِ مشاهدِ الرجالِ، حتى إذا قلَّ الحياءُ وزالَ الغطاءُ كُشِفَ وجهُ المرأةِ، فخلعتْ معهُ ما هو أغلى وأثمنُ، ألا وهو دينُها.

وهذا من أعظمِ وسائلِهم لإفسادِ المجتمعِ ونشرِ الاختلاطِ فيه، وتعويدِ رؤيةِ الناسِ له في الحدائقِ والمهرجاناتِ ونحوهِا.

وإننا لنتساءلُ بحرقةٍ وأسى: لمصلحةِ من تُبثُّ هذه المشاريعُ والأفكارُ العفنة؟! هل هو لمصلحةِ الدينِ والوطنِ؟! إننا نعلم واللهُ يعلمُ أن ليس بالقومِ غيرةٌ على الدينِ، ولا حرصٌ على مصالحِ البلادِ والعباد، ولكنهم المنافقونَ يأمرونَ بالمنكرِ وينهونَ عن المعروفِ، ولا يرضيهم إلاَّ أن يكونَ مُجتمعُنا نسخةً من مجتمعاتِ الغربِ المنحلةِ، ولا تقرُّ أعينُهم إلاَّ بمشاهدِ المسارحِ والراقصينَ والراقصاتِ منتشرةً في تلكَ الجنباتِ لتعودَ البسمةُ التي انطفأتْ على شفاه الفاسقينَ والفاسقاتِ بظهورِ نورِ اللهِ، وصدقُ اللهُ العظيمُ إذ يقول: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّهُ لا سَبِيلَ إِلى الصَّلاحِ الحِسِّيِّ وَسَلامَةِ الأَوضَاعِ وَحُسنِ الأَحوَالِ إِلاَّ بِالصَّلاحِ المَعنَوِيِّ، قَالَ تَعَالى: وَلَوْ أَنَّ أَهٍلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقُوا لَفَتَحنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، وَقَالَ تَعَالى: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا، وَقَالَ نُوحٌ عَلَيهِ السَّلامُ لِقَومِهِ: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا.

وَإِنَّ مَا تُمنَى بِهِ هَذِهِ البِلادُ المُبَارَكَةِ مِن حَربٍ عَقَدِيَّةٍ وَغَزوٍ فِكرِيٍّ وَثَقَافِيٍّ وَمُحَاوَلاتٍ مُستَمِيتَةٍ لِصَدِّهَا عَن دِينِهَا وَخَلخَلَةِ ثَوَابِتِهَا، وَنَزعِ سِترِ الحَيَاءِ عَن وَجهِهَا وَتَمزِيقِ ثِيَابِ عِفَّتِهَا، وَإِبعَادِهَا عَن مَصَادِرِ عِزَّتِهَا وَأُصُولِ نَصرِهَا، إِنَّهُ لَمِن أَعظَمِ أَسبَابِ مَا يَحصُلُ فِيهَا مِن فَسَادٍ في الجَوِّ وَتَغَيُّرٍ لِلطَّبِيعَةِ وَنَزعٍ لِلبَرَكَةِ وقلةٍ في الأمطارِ وَمَحقٍ لِلأَرزَاقِ وَغَلاءٍ في الأَسعَارِ، وَهَكَذَا لا تُرفَعُ الرَّحمَةُ وَلا تُنزَعُ البَرَكَةُ، وَلا يَقِلُّ الخَيرُ وَلا يَكثُرُ الشَّرُّ، وَلا يَذهَبُ الأَمنُ وَلا يَحُلُّ العَذَابُ، إِلاَّ بِالفَسَادِ في الأَرضِ وَاتِّبَاعِ الأَهوَاءِ وَالتَّنَكُرِ لِلحَقِّ، وَكُلُّ فَسَادٍ مَعنَوِيٍّ فَلا بُدَّ أَن يَتبَعَهُ فَسَادٌ حِسِيٌّ وَلا بُدَّ، وَاللهُ تَعَالى لِلظَّالمِينَ بِالمِرصَادِ، قَالَ سُبحَانَهُ: أَلم تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخلَقْ مِثلُهَا فِي البِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ وَفِرْعَونَ ذِي الأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوا في البِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِم رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدَ الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليّ الصابرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ.

عباد الله، جاءتِ أحاديثُ صحيحةٌ صريحةٌ في تحريمِ الأسبابِ المفضيةِ إلى الاختلاطِ وهتكِ سنةِ المباعدةِ بينَ الرجالِ والنساءِ، ومنها تحريمُ الدخولِ على الأجنبيةِ والخلوةِ بها، ومنها تحريمُ سفرِ المرأةِ بلا محرمٍ، ومنها تحريمُ النظرِ العمدِ من أيٍّ منهما إلى الآخرِ، ومنها تحريمُ مسِّ الرجلِ بدنِ الأجنبيةِ حتى المصافحةَ للسلامِ.

ومن قواعدِ الشرعِ المطهرِ أن اللهَ إذا حرّمَّ شيئًا حرمَ الأسبابَ والطرقَ والوسائلَ المفضيةَ إليه، تحقيقًا لتحريمِه، ومنعًا من القربِ من حماه، قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلًا. يقول العلماءُ: "والنهيُ عن قربانِ الزنا أبلغُ من النهيِّ عن مجرّدِ فعلِه؛ لأن ذلك يشملُ النهيَّ عن جميعِ مقدماتِه ودواعيه، فإن من حامَ حولَ الحمى يوشكُ أن يقعَ فيه".

عباد الله، إن من حرصِ الشارعِ على التباعدِ بينَ الرجالِ والنساءِ وعدمِ الاختلاطِ بينهم أن رغّبَ في ذلك حتى في أماكنِ العبادةِ، كالصلاةِ التي يشعرُ المصلي فيها بأنه بين يدي ربِّه بعيدًا عما يتعلقُ بالدنيا، فعنْ أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ الله: ((خيرُ صفوفِ الرجالِ أولُّها وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها وشرُّها أولُها)) رواه مسلم؛ وما ذاكَ إلا لقربِ أولِ صفوفِ النساءِ من الرجالِ فكانَ شرَّ الصفوفِ، ولبعدِ آخرِ صفوفِ النساءِ من الرجالِ فكان خيرَ الصفوفِ.

وعلى هذا صارتْ نساءُ المسلمينَ لا عهدَ لهنَّ بالاختلاطِ بالرجالِ، ثم حصل شيء من التغيرِ بعدَ عصرِ النبوةِ، حتى قالتْ عائشةُ رضي الله عنها: لو أنَّ رسولَ اللهِ رأى ما أحدث النساءُ لمنعهنَّ المسجدَ كما مُنعت نساءُ بني إسرائيل. أخرجه مسلم. وهذا في زمن عائشةَ رضي الله عنها وعهد النبوةِ قريبٌ، فكيفَ بهذا الزمنِ الذي كثرَ فيه الفسادُ، وظهرَ فيه التبرجُ، وشاعَ فيه السفورُ، وقلّ فيه الورعُ؟! فلا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

ونحنُ -عباد لله- ففي هذا البلدِ المباركِ الذي ينادي حكامُه بالتمسكِ بالعقيدةِ والأخلاقِ الإسلاميةِ والشيمِ العربيةِ فلا زلنَا -ولله الحمدِ- دونَ أكثرِ شعوبِ الأرضِ نتفيأُ ظلالَ جنةِ العفافِ والسترِ لولا مظاهرُ نشازٍ ظهرتْ وفحيحُ أقلامٍ عجلَ اللهُ بكسرِها تبررُ الاختلاطِ تنفيذًا لخططٍ رُسمتْ من قبلِ الأعداءِ، تخالف ما عليه دينُ ونظامُ الحكم في هذا البلدِ منذ قرونٍ كما يقولُ مؤسسَ دولتِنا المملكةِ العربيةِ السعوديةِ الملكِ عبد العزيزِ رحمه اللهُ حينَ وجه نصيحةً وهو يبينُ الدستورَ الذي يجبُ أنْ تسيرَ عليه البلادُ حين قال رحمه الله: "أقبحُ ما هناك في الأخلاقِ ما حصلَ من الفسادِ في أمرِ اختلاطِ النساءِ بدعوى تهذيِبهن، وفتحِ المجالِ لهن في أعمال لم يخلقنَ لها، حتى نبذنَ وظائفَهن الأساسيةَ؛ من تدبيرِ المنزلِ، وتربيةِ الأطفالِ، وتوجيهِ الناشئةِ، الذين هم فلذاتُ أكبادِهنَّ، وأملُ المستقبلِ، إلى ما فيه حبُ الدينِ والوطنِ، ومكارمُ الأخلاقِ، ونسينَ واجباتَهن الخُلُقيةِ من حبِّ العائلةِ التي عليها قوامُ الأممِ، وإبدالُ ذلك بالتبرجِ والخلاعةِ. ودخولهنَ في بؤراتِ الفسادِ والرذائلِ، وادعاءِ أن ذلكَ من عملِ التقدمِ والتمدنِ، فلا والله ليسَ هذا التمدن في شرِعنا وعرِفنا وعادِتنا، ولا يرضى أحدٌ في قلبِه مثقالُ حبةٍ من خردلٍ من إيمانٍ وإسلامٍ ومروءةٍ أن يرى زوجتَه أو أحدًا من عائلتِه أو من المنتسبينَ إليه في هذا الموقفِ المخزيِ. هذه طريقٌ شائكةٌ، تدفعُ بالأمةِ إلى هوةِ الدمارِ، ولا يقبلُ السيرَ عليها إلا رجلٌ خارجٌ عن دينِه، خارجٌ من عقلِه، خارجٌ من بيتِه... إنني لأعجبُ أكبر العجبِ ممن يدعي النورَ والعلمَ وحبَّ الرقيِّ لبلادِه من الشبيبةِ التي ترى بأعينِها وتلمسُ بأيديها ما نوهنا عنه من الخطرِ الخلقيِ الحائقِ بغيرِنا من الأممِ، ثم لا ترعوي عن ذلك، وتتبارى في طغيانها، وتستمرُ في عملِ كلِّ أمرٍ يخالفُ تقاليدَنا وعاداتِنا الإسلاميةِ والعربيةِ، ولا ترجعُ إلى تعاليمِ الدينِ الحنيفِ الذي جاءنا به نبيُنا محمد ، رحمةً وهدى لنا ولسائر البشر. فالواجبُ على كلِ مسلمٍ وعربي، فخورٍ بدينه، معتزٍ بعربيته، أن لا يخالفَ مبادئه الدينية، وما أمر به الله تعالى، بالقيام به لتدبير المعاد والمعاش، والعمل على كل ما فيه الخيرُ لبلادِه ووطنه، فالرقيُّ الحقيقيُّ هو بصدقِ العزيمة، والعلمِ الصحيح، والسيرِ على الأخلاقِ الكريمة، والانصرافِ عن الرذيلةِ، وكل ما من شأنه أن يمسَ الدينَ، والسمتَ العربي، والمروءةَ، وأن يتبعَ طرائقَ آبائِه وأجدادِه، الذين أتوا بأعاظمِ الأمورِ باتباعِهم أوامرَ الشريعةِ".

وفي تعميم خادمِ الحرمينِ الملكِ فهد -رحمه الله- بتاريخ 5/10/1421ه الموجَّه لوليِّ العهدِ وفيه: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نشيرُ إلى الأمرِ التعميميِ رقم 11651 في 16/5/1403 ه المتضمنِ أن السماحَ للمرأةِ بالعملِ الذي يؤدي إلى اختلاطِها بالرجالِ سواءٌ في الإداراتِ الحكوميةِ أو غيرِها من المؤسساتِ العامةِ أو الخاصةِ أو الشركاتِ أو المهنِ ونحوِها أمرٌ غيرُ ممكنٍ، سواءٌ كانت سعوديةً أو غير سعوديةٍ؛ لأن ذلك محرّمٌ شرعًا ويتنافى مع عاداتِ وتقاليدِ هذه البلادِ، وإذا كان يوجدُ دائرةٌ تقومُ بتشغيلِ المرأةِ في غيرِ الأعمالِ التي تناسبُ طبيعتَها أو في أعمالٍ تؤدي إلى اختلاطِها بالرجالِ فهذا خطأٌ يجبُ تلافيه، وعلى الجهاتِ الرقابية ملاحظةُ ذلك والرفعُ عنه، المؤكدُ عليه بالأمرِ رقم 2966/م في 19/9/1404 ه. ونرغب إليكم التأكيدَ على المسؤولينَ لديكم بالتقيدِ بما قضى به الأمرانِ المشارُ إليهما فأكملوا ما يلزم بموجبه".

أيها الإخوة، هذا ديننا، وهذا ما عليه ولاة أمرنا، وهذا ما عليه شعبنا الذي لن يرضى إلا بالحفاظ على الأعراض.

وفي الوقت الذي تضطرب الفتن وتتعاظم دول تتهاوى وتنتشر فيه الفتن، وعروش تسقط، ونرى بعض دعاة الفتن في بلادنا يدعون إلى المظاهرات وتغيير نظام الحكم، ونحن أحوج ما نكون إلى توحيد الكلمة، نرى جهودا لليبراليون بما يسيء إلى ثوابت البلاد من إخراج المرأة وخلطها بالرجال بطريق سيئ لا يرضي الله، كما حصل في بعض المعارض حينما اختلطت النساء كاشفات عن وجوههن بالرجال، وصعدت بعضهن المنصة لتوقع لبعض الناس، فيدخل بعض المتدينين ليناصحوا فيما يرونه مخالفًا للشرع، فكان الواجب أن يقال لهم: جزيتم خيرًا، وما كان من خطأ فيزال إذا خالف الشرع، لا أن يخرجهم رجال الأمن أمام الكميرات بالقوة بحجة أنهم متشدّدون، فصار الليبراليون وطنيين، وأهل الاحتساب متشددين، ماذا تريدون منهم؟! هل تريدون منهم أن يخرجوا ويفجروا أو يقتلوا كما حصل لكثير من شبابنا الذين هم في السجون الآن حين تعرضوا لمثل هذه الضغوط في دينهم فخرجوا عن الطريق المستقيم؟! وبالأمس القريب يقام مهرجان في بلدتنا خرجت فيه النساء والرجال في ازدحام واختلاط لا يرضاه مسلم، كأن صدر المرأة في الرجل، وصدره في ظهرها، ويجتمع فساق المدن المجاورة بشعور غريبة وألبسة مضحكة ليختلطوا في نساء، هذا البلد بمنظر يدل على قلة الغيرة، فأين الغيرة أيها المسلمون على أهلكم ونساءكم؟!

نسأل الله أن يبعد عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم من أراد بلادنا بسوء في أمنها وعقيدتها أو أخلاقها فأشغله في نفسه...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً