.

اليوم م الموافق ‏14/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

عثمان بن عفان

6495

سيرة وتاريخ, قضايا في الاعتقاد

الصحابة, تراجم

عبد المحسن بن محمد القاسم

المدينة المنورة

22/3/1432

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل الصحابة رضي الله عنهم وعقيدة المسلم تجاههم. 2- اسم عثمان ونسبه 3- إسلامه. 4- فضائله ومآثره وصفاته الكريمة. 5- استشهاده رضي الله عنه. 6- فضل الدعوة إلى الإسلام.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتَّقوا الله -عباد الله- حقَّ التّقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.

أيّها المسلمون، اصطفَى الله لهذهِ الأمّةِ خيرَ الرّسُل، واختارَ سبحانَه لصُحبة نبيِّه خيرَ رجالٍ في أمّته لا كان ولا يكون مثلُهم، غفر الله ذنبَهم ورَفَع مكانتهم ورَضِيَ عنهم؛ بإيمانهم وإخلاصهم وصُحبتهم وسَبق نُصرتهم للنبيِّ ، قال عزّ وجلّ: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [التوبة: 100].

وممّا يزيد في الإيمان معرفةُ سِيَر من اتَّصَف بالصُّحبة وبادَرَ إلى التّصديق وآزَر النبيَّ ونَصرَه، قال الإمام أحمدُ رحمه الله: "ومِن السّنَّة ذِكرُ محاسنِ أصحاب رسول الله كلّهم أجمعين".

والدعاء لهم قُربة، والاقتداءُ بهم وسيلة، ومحبَّتهم من أصولِ الدين، قال الطحاويّ رحمه الله: "ونحبُّ أصحابَ رسولِ الله ، ولا نُفرِطُ في حبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرَّأُ من أحَدٍ منهم".

وأفضلُ أولئك الجِيل الفَذِّ أبو بكر الصدِّيقُ ، أرسخُهم إيمانًا، وأغزرُهم علمًا، وأكثرهم ملازمةً للنبي . ثم عمر الفاروقُ ، يليه في الفضل والخلافة، كان حِصنًا حصينًا للإسلام في قوّة سيرته وكمالِ عدله، وما لقِيَه الشيطانُ قطُّ سالكًا فجًّا إلا وسَلكَ فجًّا غيرَ فجِّه.

وثالثُهم كريمُ اليدِ عظيمُ النفس أبو عبد اللهِ عثمانُ بن عفان بن أبي العاص، ذو النورَين أمير المؤمنين، وثالثُ الخلفاءِ الراشدين، وصاحِبُ الهجرتين، وأحدُ العشرةِ المُبشَّرين بالجنة، ورَفيقُ النبيِّ فيها، قال عليه الصلاة والسلام: ((إنه ليس من نبيٍّ إلا ومَعه مِن أصحابِه رفيقٌ مِن أمّته معه في الجنة، وإنّ عثمانَ بنَ عفّان هذا رفيقي معي في الجنة)) رواه أحمد.

يجتمعُ مع النبيِّ في جدِّه الثالث، وهو حفيدُ عمَّة النبيِّ البيضاء بنتِ عبد المطّلب، لم يتزوَّج رجلٌ من الأوّلين والآخرين ابنتَيْ نبيٍّ غيره.

أسلَم قديمًا على يدَي أبي بكر الصدِّيق ، فكان رابعَ أربَعةٍ في الإسلام، وبايَع عنه بِيَده في بيعةِ الرّضوان وقال: ((هذه يدِي وهذه يدُ عثمان)) رواه أحمد.

أطولُ الخلفاء الراشِدين خلافةً، مكثَ أميرًا للمؤمنين اثنَيْ عشَر عامًا، كثيرُ العبادَةِ خاشعٌ لله، لما نزَل قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا [الزمر: 9] قال عمر : (هو عثمان).

مُطيعٌ للنبيِّ مُقتفٍ أثرَه، وفِيٌّ له ولصاحبَيْه أبي بكرٍ وعمَر، قال : صحبتُ رسولَ الله وبايَعتُه، فوالله ما عصيتُه ولا غششتُه حتى توفاه الله عزّ وجلّ، ثم أبو بكر مثلُه، ثم عمر مثلُه. رواه البخاريّ. قال عبد الرحمن بن سمُرة: تُوفِّي رسول الله وهو عنه راضٍ.

وجِلٌ من ربِّه، يتذكَّر آخرتَه، كثيرُ الزِّيارةِ للمقابِر، إذا وقَفَ على القبرِ يبكي حتى تبلّ لحيتُه، ثابتٌ بيقينه قدوةٌ لغيره، أمَرَ النبيُّ بالاقتداءِ به عندَ حلولِ الفِتَن، ووصفَه بالأمِينِ، قال عليه الصلاة والسلام: ((إنكم تلقَونَ بعدِي فتنةً واختلافًا))، فقال له قائلٌ من النّاس: فمَن لنا يا رسول الله؟ قال: ((عَلَيكم بالأمينِ وأصحابِه)) وهو يُشيرُ إلى عثمانَ بذلك. رواه أحمد.

ومن تعرَّف على اللهِ في الرخاءِ عرَفَه في الشّدَّة وعصمَه من الفتن، ذكَرَ النبيُّ الفتنَ ذات يومٍ، فقال: ((هذا على الهُدى)) وأشار إلى عثمان. رواه الترمذي.

سَلِيمُ الصدرِ لا يحمِل حَسَدًا أو حِقدًا على أحد، قال عليٌّ : (إني لأرجو أن أكونَ أنا وعثمانُ ممن قال الله فيهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ [الحجر: 47]).

عفيفٌ حافظٌ لدينه، يقول: والله، ما زنيتُ في جاهليةٍ ولا إسلامٍ.

دَمثُ الأخلاق، وهبَه الله علمًا، فكان الصحابةُ يرجعون إليه، قال ابن سيرين: "كانوا يرَون أعلمَهم بالمناسك عثمان".

ومنَحَه الله إيمانًا راسخًا وعقلًا راجحًا، بعثَه النبيُّ يُفاوِضُ قُريشًا في الحدَيبية، قال ابن عمر رضي الله عنهما: لو كان أحدٌ أعزُّ ببطن مكة من عثمان لبَعَثه مكانَه. رواه البخاري. قال الشعبي رحمه الله: "كان عثمان في قريشٍ مُحبَّبًا يُوصون إليه ويُعظِّمونه".

وجعله عمرُ أحدَ أصحابِ الشّورى الستة من بعده، فكان خيرَهم، فاختاروه خليفةً للمؤمنين ولم يعدِلوا به أحدًا، قال ابن مسعود حين بايَعوه بالخلافة: بايَعنا خيرَنا ولم نألُ. قال الإمام أحمد رحمه الله: "لم يجتمعوا على بيعة أحدٍ ما اجتمعوا على بيعةِ عثمان".

والإنفاقُ في مرضاةِ الله من علاماتِ صِدق الإيمان ومحبّة المؤمنين والتوكُّل على الله، ولعثمانَ اليدُ الطُّولَى في البذل والعطاء. نظرَ النبي في وجوهِ القوم يومَ جيش العُسْرة والمسلمون يومئذٍ في شدَّةٍ وفاقَة، فقال: ((من يُجهِّز هؤلاء غفَر الله له))، قال عثمان: فجهَّزتُهم حتى ما يفقِدون خِطامًا ولا عِقالًا. رواه النسائي. واشترى بيتًا لتوسعة مسجد النبي في عهده عليه الصلاة والسلام لما سمع النبيَّ يقول: ((من يُوسِّع لنا بهذا البيت في المسجد ببيتٍ في الجنة)) رواه أحمد. وأعتقَ من المماليكِ ما لا يُحصَى، كان يقول: ما أتَتْ عليَّ جمعة إلا وأنا أعتِق فيها رقبةً منذ أسلمتُ، وقال لمواليه يوم حِصاره: من أغمَدَ سيفَه فهو حرٌّ.

والحياءُ خُلُقٌ رفيعٌ يجمعُ المروءات، وعثمانُ كان حيِيًّا حتى مع نفسه، يكون في بيته وحدَه والبابُ مُغلقٌ عليه فما يخلعُ عنه ثوبَه ليُفيض الماءَ عليه، ويمنَعه الحياءُ أن يُقيمَ صُلبَه وهو يغتَسِل، وليس في هذِه الأمّةِ من يُدانيه في حيائه، قال عليه الصلاة والسلام: ((أشدُّ أمّتي حياءً عثمان)) رواه الترمذي.

وكان النبيُّ يستحي منه، قعد عليه الصلاة والسلام ذات يومٍ في مكانٍ فيه ماءٌ قد انكشَف ثوبُه عن ركبتَيْه، فلما دخل عثمان غطَّاها. متفق عليه. والملائكةُ تستحِي منه، كان عليه الصلاة والسلام مُضطجِعًا على فراشه، فلمّا دخل عثمان جلس وقال: ((ألا أستحِي من رجلٍ تستحِي منه الملائكة؟!)) رواه مسلم.

والقرآنُ كلامُ ربِّ العالمين، وصَفَه الله بالبرَكة والكرَم والهدَى، من قرُبَ منه نالَته البركةُ وعلَت عند الله درجتُه، وكان مُحِبًّا لكلام الله، قال الحسنُ: "ما مات عثمانُ حتى خلِقَ مصحفُه من كثرةِ ما يُديمُ النظرَ فيه"، وقرأ القرآنَ كاملًا مِرارًا في ركعةٍ منَ العِشاء إلى الفَجر، وكان يقول: (لو أنَّ قلوبَنا طهُرَت ما شبِعْنا من كلام ربّنا).

ومن حسناتِه العظيمة جمعُ الناس على قراءةٍ عظيمة، وكَتْبُ المصحف على العَرْضَة الأخيرةِ التي دارَسَ فيها جبريلُ النبيَّ في آخِرِ حياته، فأمرَ زيدَ بن ثابتٍ أن يكتُب المصحَف كاملًا بخطِّ يدِه ويُفرِّقَه في الأمصار، وسُمِّي نوعُ خطِّ المصحَف باسمه فقيل: الرّسم العثمانيّ؛ نسبةً إلى أمرهِ وزمانهِ وإمارته.

نفعَه القرآن، ونفعَ الناسَ به، ولا فلاحَ لهذه الأمّة إلا بالقرآن والعمل به. قال ابن كثيرٍ رحمه الله: "وفي عصر عثمان بن عفان امتدَّت الممالكُ الإسلاميّةُ إلى أقصى مشارِقِ الأرض ومغارِبها، وذلك ببركةِ تلاوتِه ودراسَتِه وجمعه الأمّةَ على حفظِ القرآن". ولتعلُّقه بكتاب الله كانت خاتِمَتُه عليه، فقُتِل والمصحَف في حجره وسال الدمُ على مصحفه.

ومع عبادته وخشيته لله كان خليفةً راشدًا مُحنَّكًا، فتح الله على يديه كثيرًا من الأقاليم والأمصار، واتَّسَعت رقعة المسلمين، قال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله زوَى ليَ الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغارِبها، وإنَّ أمتي سيبلُغ مُلكُها ما زوَى لي منها)) رواه مسلم. قال في "البداية والنهاية": "وهذا كلُّه تحقَّق وقوعُه وتأكَّد وتوطَّن في زمان عثمان".

وكان الناسُ في خِلافته في عَيشٍ رغيدٍ وأَمنٍ وطيدٍ، وفي أُلفةٍ واتِّفاق، وصفَ الحسنُ حالَهم بقوله: "الأُعطياتُ في خلافَتِه جارية، والأرزاقُ دارَّة، والعدوُّ مُتَّقًى، وذاتُ البين حَسَن، والخيرُ كثير، وما مؤمنٌ يخافُ مؤمنًا، من لقِيَه فهو أخوه مَن كان".

ونَهْجُ الصحابةِ سلامةُ قلوبهم لبَعضِهم، ومحبّتُهم لبعضهم، وتوقيرُ أحدهم الآخَر، وكان الصحابةُ رضي الله عنهم يُجِلُّونه في حياة النبيِّ وبعد مماتِه، وكان مُفضَّلًا عندَهم، قال ابن عمَر رضي الله عنهما: كنا نعُدُّ ورسولُ اللهُ حيٌّ وأصحابُه متوافرون: أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان. رواه أحمد. وقال عليٌّ بعد وفاةِ أبي بكرٍ وعمر: كان عثمان خيرَنا وأحسنَنا طَهورًا. وقالت عائشةُ رضي الله عنها: إنه لأوصلُهم للرَّحِم وأتقاهم للرب.

وكان يحبّ صحابةَ رسولِ الله ، فكنَّى نفسَه باسمِ أبي كرٍ عبدَ الله، ومن أبنائِه من اسمُه عمَر، ومن بناته من سمَّاها عائشة.

ولما عمَّ الرخاءُ ورسَخَ الأمنُ وانتشَر الإسلامُ في الأرضِ في خلافتِه استعجَل مرضَى القلوبِ موتَه، واستطالوا حياتَه، فقتَلوه وعمرُه اثنان وثمانون عامًا وهو صائمٌ، والمصحفُ في حجره وهو يتلو كتابَ الله، وكان مقتله أولَ الفتنِ في هذه الأمّة، قال حذيفة : (أوّل الفتن قتلُ عثمان، وآخرُ الفتن الدجَّال).

وحزِنَ الصحابةُ لمقتله، قال عليٌّ يوم مقتَل عثمان: أنكرتُ نفسي. ولما بلغَ سعد بن أبي وقّاص خبر قتله استغفرَ له وترحَّم له ودعا على من قتَله بقوله: اللّهمّ أندِمهم ثم خُذهم. وكان سعدٌ مُجابَ الدعوة. وأقسمَ بعضُ السلف أنّه ما ماتَ أحدٌ من قَتَلَة عثمان إلا مقتولًا.

وبعدُ: أيها المسلمون، فواجِبٌ محبّةُ صحابةِ رسول الله والذبُّ عنهم ولزومُ طريقتهم، فقَد حَفِظوا دينَ الله وشَريعَتَه، وكانوا أكمَلَ الناسِ حبًّا للنبيِّ وتعظيمًا له وتأسِّيًا به.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23].

بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني الله وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفِر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنبٍ، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أيُّها المسلِمون، المؤمنُ نَفعُه مُتعدٍّ لغيرهِ، وما قدَّمه عثمانُ لنفسِه وللإسلامِ والمسلمينَ من الأعمالِ والفتوحاتِ ودخولِ الناسِ في الدينِ وجمعِه القرآن، كلُّ ذلك حسنةٌ من حسنات أبي بكر الصدِّيق ، فهو الذي دعاه للإسلام، فكان أحدَ السّابقين ومِنَ الخلفاءِ الرّاشدين المأمورِ بالاقتداء بهم.

فعلى كلِّ مسلمٍ أن يَدعوَ غيرَه إلى هذا الدينِ والتمسُّك به، فلأَن يهدِيَ الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمر النعَم، والله ذو الفَضلِ العَظيم.

ثم اعلموا أنَّ الله أمركم بالصّلاة والسّلام على نبيِّه...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً