أما بعد: عباد الله، فإن مما يجب على كل مسلم ومسلمة أن يحافظ على أوامر الله جل وعلا فيؤدي ما أمره الله به مخلصا لوجهه مقتديًا ومؤتسيًا برسول الله ، يجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم أحكام دينه، ولنعلم أن الأصل في تعلم الدين أن يؤخذ من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فالله عز وجل قد كلف المؤمنين بهذا فقال سبحانه وتعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، وقال سبحانه: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وقال أيضا: مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ. هذه الآيات تدل على أنه على المسلمين أن يأخذوا بسنة الرسول وأن يرجعوا إليها لأنها المتكفلة بالشرح والتبيين لما أُبْهِم من كتاب الله عز وجل.
وأهم العبادات بعد توحيد الله جل وعلا الصلاة؛ لأنها عماد الدين، ولأنها ثاني أركان الإسلام، ولأنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، كما روى الطبراني بإسناد حسنه الإمام الألباني رحمه الله عن أبي هريرة عن رسول الله قال: ((أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة صلاته، فيقول: انظروا إلى صلاة عبدي، فإن كان أتمها قيل: يا رب أتمها، وإن كان نقصها قيل: يا رب نقصها، فيقول الله: انظروا هل لعبدي من تطوع، فيقال: نعم كثير، فيقول: فأتموا لعبدي من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على قدر ذلك)) رواه الطبراني في المعجم الأوسط.
إننا نلاحظ بعد مرور هذه الحقبة الزمنية بعد وفاة الرسول الله عليه وآله سلم، نلاحظ أنه لا يزال كثير من المسلمين ذكورا وإناثا يجهلون أحكام الصلاة ويؤدون صلاتهم مختلفة عما علمنا رسول الله ، ولا عجب في هذا؛ فإنَّ الإنسان ينسى ويجهل، فإذا كان قد وجد في زمان النبي من صحابته من كان يجهل كيفية أداء الصلاة فبعد مرور هذه الحقبة الزمنية لا عجب ولا غرابة أن تجد فينا من يرتكب شيئا من المخالفات، ففي حديث أبي هريرة المروي في صحيح البخاري وغيره أن النبي رأى رجلا يصلي ثم جاء فسلم عليه، فقال له: ((ارجع فصل فإنك لم تصل)) وهكذا ثلاثًا، ثم قال: والله يا رسول الله لا أحسن إلا هذه فعلمني.
من منا اليوم عنده قوة إرادة يأتي ليقول: علمني كيفية صلاة رسول الله ؟! من منا عنده الهمة العالية ليقرأ الكتب التي ألفت في هذا الجانب أو ليسمع الأشرطة التي تعلم كيفية صلاة رسول الله ؟! جاء في صحيح البخاري أن جابرًا رأى رجلا يصلي فقال له وقد رآه يخالف كيفية صلاة رسول الله : لو متَّ على هذا لمتَّ على غير الفطرة التي جاء بها محمد .
نبينا علم ذلك الرجل المسيء صلاته كيف يصلي فقال له: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تطمئن رافعا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا)) ثم قال: افعل ذلك في صلاتك كلها. رواه البخاري.
لأنه رأى أن من أكبر المخالفات التي ارتكبها هذا الذي أساء في صلاته أنه ترك ركنا من الأركان وهي الطمأنينة. إذا نظرت اليوم إلى صلاة كثير من المسلمين تجد أن كثيرا منهم لا يطمئنون في صلاتهم، لا يطمئن في ركوعه، ولا يطمئن في سجوده، ولا يطمئن في الجلسة بين السجدتين، وهذه كلها أركان، وهذا أول خطأ يقع فيه بعض المصلين.
والأخطاء -أيها الإخوة- التي ترد على الصلاة فيها ما يبطلها، وأهمها الطمأنينة التي ذكرناها آنفا، فمن ترك الطمأنينة فلا صلاة له. والطمأنينة تتحقق للمصلى بأن يعود كل عضو إلى مكانه، فمثلا إذا أراد الإنسان أن يركع فعليه أن يطمئن حتى يأخذ كل عضو راحته، فإذا قام من الركوع إلى القيام يطمئن حتى يعود كل عضو إلى مكانه، وهكذا إذا سجد لا بد أن يسجد على السبعة الأعضاء: الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين بحيث تأخذ راحتها. هذه هي الطمأنينة في الصلاة.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض المصلين: ما يكون مخالفا لسنة النبي ، ومنها ما هو خلاف للأولى، لكن الأهم في هذا أن نعلم خطورة عدم الإتيان بالأركان وخاصة الطمأنينة. يقول ابن القيم رحمه الله: "إن التلفظ بالنية والجهر بها أمر لم يكن معهودا في زمن النبي ، ولم يفعله أحد من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولم يصدر عن أحد من الأئمة كالشافعي ولا غيره من الأئمة", ويقول كذلك ابن أبي العز الحنفي: "الجهر بالنية لم يؤثر عن الشافعي ولا عن غيره من الأئمة"، ويقول الإمام السيوطي أحد كبار الشافعية: "إن الجهر بالنية والتلفظ بها لم يكن على عهد النبي ، ولم يفعله أحد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ولم يرشد إليه الإمام الشافعي رحمه الله، ففعله من البدع المخالفة لسنة رسول الله "، بل حتى الإمام النووي رحمه الله يرشد إلى أن النية محلها القلب كما تفعل عند قيامك بأي عمل من الأعمال، فقيامك إليه يعد نية، فليس من السنة أن يجهر بها باللسان.
ومن الأخطاء أيضا: عدم تحريك اللسان أثناء القراءة وأثناء الأذكار، فكثير من الناس يغلق فمه ولا يتلفظ بشيء ولا يتحرك اللسان، يقول الله سبحانه وتعالى لنبيه حين كان ينزل عليه القرآن: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إذًا من لوازم القراءة تحريك اللسان. وقد كان الصحابة: يُسألون هل كان رسول الله يقرأ في الصلاة السرية؟ قالوا: نعم، قالوا: كيف كنتم تعرفون هذا؟ قالوا: باضطراب لحيته.
بل إنه من باب تعليم الناس القراءة في الصلاة السرية كان يجهر أحيانا بالآية والآيتين وهو في الصلاة السرية من أجل أن يعلم الناس أنه يقرأ في الصلاة السرية كما يقرأ في الصلاة الجهرية تماما. فإغلاق الفم وعدم تحريك اللسان في القراءة وفي الأذكار يعد من جملة المخالفات التي يقع بها كثير من المصلين.
ومنها أيضا: عدم رفع اليدين في المواطن التي ثبت عن النبي رفع اليدين فيها. فلقد ثبت أنه كان يرفع يديه حذو منكبية أو حذو أذنيه في أربع مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، والرفع منه، وعند الانتقال من التشهد الأوسط إلى الركعة الثالثة. هذه أربع مواضع ثبت في السنة المشتهرة عن النبي أنه كان يفعل هذا.
ومن الأخطاء أيضا: أن بعض المصلين لا يرفعون أيديهم في هذه مواطن، وكان إذا رفع يديه يرفع أصابع يديه ممدودتين لا يقبضهما ولا يفرجهما، بل يرفعهما براحته دون ضم ودون تفريج، ويرفعهما كما قلنا حذو المنكبين أو حذو الأذنين. هكذا كان يعلم أصحابه ويقول: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) رواه البخاري. إذًا هذا من جملة المخالفات التي يقع فيها بعض المصلين.
أيضا: عدم وضع اليدين في الصدر، وهي مخالفة لسنة النبي ، ولا يعني أنه إذا لم يؤد هذا تبطل صلاته لكنه ينقص من أجره. في الحديث الصحيح أنه كان يأمر الصحابة أن يضعوا أيمانهم على شمائلهم في الصلاة، وفي الطبراني أنه قال: ((إنا معاشر الأنبياء، أمرنا أن نعجل الإفطار ونؤخر السحور وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة)) رواه الطبراني.
من العجيب الغريب أن هذا الحديث موجود في مسند الإمام زيد بن علي الذي درج عليه الزيدية وشرحه أئمتهم المتأخرون، ومع هذا نجد إخواننا من الزيدية يخالفون ما عليه إمامهم، هكذا كما هو الحال عند الشافعية والحنابلة والحنفية تجد المذهب يقول شيئا وكتب الأئمة تقول شيئا وتجد الأتباع وعامة الناس يقولون شيئا آخر.
إذا السنة أن توضع اليمنى على اليسرى في الصدر دون أن يكون هناك تعمق برفعهما حتى تصل إلى الرقبة على سبيل المثال، فهذا أيضا مخالفة أخرى وليس من سنة النبي . وهكذا وضعها على السرة أو تحت السرة هذا نوع من أنواع المخالفات التي يقع فيها كثير من المسلمين. فالسنة الثابتة عنه أنه كان يضع اليدين على الصدر.
ومن المخالفات أيضا أن الإمام إذا قرأ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قال بعض المصلين: استعنّا بالله، وهذه وسوسة شيطانية لم يفعلها أحد من صحابة النبي ، ولم يرشد إليها أحد من الأئمة، بل هي وسوسة شيطانية يأتي الشيطان إلى هذا المصلي فيقول: افعل هكذا فإن الله تعالى يأجرك ويثيبك.
ومن المخالفات: ما يفعله بعضهم حال التأمين، يأتي الشيطان إلى بعض الناس فيقول له: ارفع يديك وقل: آمين، فيؤمن الناس على دعائك. هذا الكلام وسوسة شيطانية لم يأذن بها الله جل وعلا، بل لم يرد في سنة النبي لا في حديث صحيح ولا في حديث ضعيف ولا في قول أحد من الأئمة المشهورين.
ومن المخالفات أيضا: ما يقع به بعض الأئمة، وذلك أنهم لا يؤمّنون كما يؤمن المأمومون، فالتأمين ليس خاصا بالمأمومين، فقد كان إذا قال: غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قال: آمين، وقال من خلفه: آمين؛ موافقة يتوافق المأموم مع الإمام في التأمين. هذا ما كان عليه الأمر في زمن النبي ، والآثار في هذا موجودة في صحيح البخاري وفي غيره، فابن الزبير على سبيل المثال كان يؤم الناس وكان يقول: آمين، ومن خلفه يقولون: آمين، حتى يسمع للمسجد رجة.
وملخص القول فيما سبق أن ثمة مخالفات ترتكب من كثير من المصلين يجب التنبه لها منها:
أن كثيرا من الناس يتركون الطمأنينة، فلو رأيت كثيرا من الناس لوجدته يصلي ثماني ركعات في أقل من خمس دقائق. ما هذه الصلاة التي يؤديها؟! وانظر على سبيل المثال في صلاة التراويح، فبعض المساجد يصلونها خلال ربع ساعة، بل يصلون واحدا وعشرين ركعة في أقل من عشرين دقيقة، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هؤلاء تركوا الطمأنينة في الصلاة، فليتهم صلوا سبع ركعات أو خمس ركعات باطمئنان خير من هذه الصلاة التي يصلونها. إذًا ترك الطمأنينة يبطل الصلاة.
من المخالفات: ترك تحريك الفم سواء في القراءة والأذكار.
ومن المخالفات: ترك رفع اليدين عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع وعند القيام من السجدتين.
أيضا: إسبال اليدين أو وضعهما عند السرة أو تحت السرة.
ومن المخالفات أيضا: الجمع بين القبض عند ضم اليدين والوضع، والوارد في السنة إما القبض وإما الوضع، أما القبض فأن يقبض الإنسان بيده اليمنى على رسغه الأيسر أو على ساعده، وأما الوضع فأن يضع يده اليمنى على ساعده الأيسر. أما الجمع بهذه الطريقة التي ربما يفعلها بعض الناس فيقبض ببعض الأصابع ويبسط بعض الأصابع فهذه طريقة لم تكن مشروعة ولم يرشد إليها رسول الله .
ومن المخالفات أيضا: أن يقول بعض المصلين: استعنّا بالله.
ومن المخالفات: أن لا يرفع الإمام صوته بالتأمين كما يفعل المأمومون.
وكذلك مخالفات أخرى لعلنا نتعرض إليها في الخطبة الثانية.
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم وسائر المسلمين من كل ذنب.
|