.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

من مظاهر ضعف الإيمان

6468

الإيمان

زيادة الإيمان ونقصانه

عبد العزيز بن محمد السدحان

الرياض

6/7/1423

جامع السويدي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تفاوت الناس في الإيمان. 2- ضعف مجاهدة النفس. 3- مظاهر ضعف التوحيد والإيمان وآثاره.

الخطبة الأولى

أما بعد: فمعاشر المسلمين، لما كان الإيمان بالله تعالى ملجأً للعبد من فتن الشهوات والشبهات؛ يجد فيه العبد طمأنينة القلب وانشراح الصدر وقرة العين، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ، لما كان الأمر كذلك تفاوت العباد في تحصيل ذلك بحسب مجاهدتهم للشيطان ودفعهم الهوى، وبقدر تلك المجاهدة يزيد إيمانهم أو ينقص.

معاشر المسلمين، مع كثرة الفتن وتنوعها زمانًا ومكانًا وكمّا وكيفًا ضعفت مجاهدة النفس عند كثير من الناس، فنقص إيمانهم وتلوثت قلوبهم وجوارحهم بالآثام والخطيئات.

لما كان الأمر كذلك كان لا بد من ذكر بعض مظاهر ضعف التوحيد والإيمان ليكون العبد على حذر من تفريطه وعلى بصيرة من أمره، فيزيد إيمان العبد الذي كف قلبه وجوارحه ويتفطن ذلك المفرط الذي يسعى في نقص إيمانه وكثرة ذنوبه.

معاشر المسلمين، ومن أعظم مظاهر وآثار ضعف الإيمان القول على الله بلا علم؛ فهذا الأمر من أعظم الأشياء نكرًا وأكثرها ضررًا. قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ".

وإن مما يظهر من بعض الناس في هذا جرأتهم على الفتيا مع عدم معرفتهم بالعلم أو مجالسة أهله، بينما ترى أولئك أمسك الناس لألسنتهم في الأمور الدنيوية إذا كانوا جهالًا بها. وهذا من أعظم التناقض إذ كيف يجرؤ العبد على قوله على ربه بلا علم إلا بسبب ضعف إيمانه وقلة وازعه ورادعه؟! ألا فليتق الله تعالى أولئك القوم وليعلموا أن صنيعهم من أعظم الموبقات الماحقات لبركة العمر والعمل والمال.

معاشر المسلمين، إن من أعظم أسباب القول على الله بلا علم الزهد في العلم الشرعي طلبًا أو سماعًا أو سؤالًا لأهله، فمن زهد في العلم كثر جهله وكثر خطؤه.

معاشر المسلمين، ومن آثار ضعف الإيمان التهاون بأداء الفرائض وعدم المبالاة بخطورة الأمر، بل قد يبلغ التفريط ببعضهم أن يكون ذلك الأمر عادة له وطبيعة مستديمة فيه. ولو أن هذا حقق الإيمان وجعل نصب عينيه وفي سويداء قلبه: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، وفي مثل قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، لو أن أولئك تذكروا تلك النصوص وأمثالها لزاد إيمانُهم وعظمت رهبتُهم من التفريط في شأن الصلاة جمعة أو جماعة.

معاشر المسلمين، ومن آثار ضعف الإيمان التهاون بالبدع والمحدثات والتقليل من شأنها، بل قد يصل الحال ببعضهم إلى تصويب فعلها، وهذا من الإثم بمكان عظيم؛ إذ إن البدع تقوّل على الله بلا علم وامتنان على شرعه، فكيف بمن أشاع ذلك بل صوبه ودعا إليه؟! فأين هذا من تحقيق الإيمان في قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا؟! وأين هذا من تحقيق الإيمان في قوله : ((فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))؟!

ومن تلك البدع معاشر المسلمين ما يكون في شهر رجب كبدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج وكبدعة صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب، فكل ذلك من البدع في الدين.

معاشر المسلمين، ومن مظاهر ضعف التوحيد الذهاب إلى السحرة والمشعوذين والتردد على أبوابهم، وتعظم المصيبة ويشتد الخطب -معاشر المسلمين- إذا كان الذاهبون إلى أولئك من أهل الجمعة والجماعة. فيا سبحان الله! أين أولئك المصلون من تحقيق الإيمان في قوله تعالى: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى؟! وأين هم من تحقيق الإيمان في قوله : ((من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) أخرجه مسلم، وقال : ((من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد )) أخرجه الإمام أحمد؟!

معاشر المسلمين، ومن آثار ضعف التوحيد التعصب القبلي وجعل هذا التعصب هو الفيصل في الولاء والبراء، فقد يوالي من كان من عشيرته وقبيلته ولو كان عاصيًا لله مجاهرًا بفسقه، وقد ينتقص أو يعادي من لم يكن من عشيرته وقبيلته ولو كان طائعًا لله تقيًا، أين هذا -معاشر المسلمين- من تحقيق التوحيد في قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ؟! وأين هذا من تحقيق التوحيد في قوله : ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله))؟! أين هذا من تحقيق التوحيد في قوله تعالى: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا؟! فالحكمة من كونهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا فيما بينهم، لا ليتعصبوا على بعضهم.

اللهم زينا بزينة الإيمان...

 

الخطبة الثانية

معاشر المسلمين، ومن آثار ضعف الإيمان ضعف الغيرة على الحرمات، فترى من ضعف الإيمان في قلبه يرمي أهله وبناته على هيئة من اللباس يستحي اللسان من وصفها فضلًا عن شرائها، ناهيكم عن رؤيتها على أهله وبناته، ومع هذا كله ترى ذلك الذي ضعف الإيمان في قلبه لا تتأثر غيرته ولا يبالي بكلام الناصحين له أو بنظرات الشامتين إليه، بل ربما تمتم بكلمات استغفار أو استرجاع ظانًا بذلك أنه قد برّأ ذمته وطهر ساحته من الخطيئة والإثم.

معاشر المسلمين، ومن آثار ضعف الإيمان الترفع على الآخرين والتعالي عليهم ودعوى الكمال لنفسه وتنقص الآخرين لأنسابهم عند نسبه أو لأحسابهم عند حسبه أو لقلة أموالهم عند كثرة ماله، فهذا الأمر لا يرضاه الله تعالى، فأين أولئك من قوله تعالى: وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً؟! ألا فليعلم من ترفع على الناس أن ذلك من أدلة نقص دينه وقلة عقله، فالدين يأبى ذلك ويزجر عنه والعقل يأنف ذلك ويردع عنه.

معاشر المسلمين، ومن آثار ضعف التوحيد كثرة الأمراض النفسية وانتشارها بين كثير من الناس، فكم من الناس من أحاطت به الهموم والغموم فأصبح سيرًا لها ينقاد معها ويسبح في فلكها، لا يهنأ بطعام ولا يهنأ بشراب ولا يهنأ مع الناس باجتماع، لا تراه إلا مذهولًا أو سابحًا في بحر من الخيالات والأوهام حتى اجتالت بعضهم الشياطين فعسرت في نفسه ما كان يسيرًا وبعدت ما كان قريبًا.

معاشر المسلمين، أين هذا وأمثاله من تحقيق شأن التوحيد في مثل قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ، وفي مثل قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، وفي مثل قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، وفي مثل قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ؟!

فيا من ضاق صدره وتكدر أمره، يا من فيك الهم والغم، حقق التوحيد في مقامك هذا، فأحسن الظن بربك، وارفع أكف الضراعة إليه، واذرف الدمع بين يديه، اتل كتابه وأكثر من ذكره واذكر عظيم فضله عليك وعظيم تقصيرك معك، ثم تذكر أن الله أرحم بك من أمك وأبيك وأختك وأخيك وصاحبتك وبنيك.

معاشر المسلمين، ومن آثار ضعف التوحيد ضعف اليقين بالله تعالى وقلة التوكل عليه، كأن ترى بعض الناس إذا نزلت به مصيبة من مرض أو فقر أو غير ذلك تملكه الهلع والجزع وشكا حاله إلى من يعرف ومن لا يعرف، وطمع بما في أيدي الناس وعلق حاله بحالهم، ولو أن هذا وأمثاله حقق الإيمان في مثل قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، ومثل قوله تعالى: لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وفي مثل قوله تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لو كان الأمر كذلك لتبدلت حاله إلى أحسن حال، وجعل الله عسره يسرًا، ومن يتوكل على الله فهو حسبه,

اللهم اشرح صدورنا ويسر أمورنا، اللهم زدنا إيمانا وارفع درجاتنا، اللهم زدنا بك علمًا وزدنا لك حبًا.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً