.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

لعبة الذئاب

6340

الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب

الكبائر والمعاصي, المرأة

محمد بن علي الغروي

الشقيق

جامع الشقيق

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الدنيا دار بلاء واختبار. 2- من مفاسد الزنا كثرة اللقطاء. 3- ذم فاحشة الزنا. 4- حوادث مؤلمة لقضايا الزنا. 5- الاعتبار بأحوال الناس في الغرب. 6- وعيد الزناة. 7- أسباب الوقوع في جريمة الزنا. 8- الزنا دين.

الخطبة الأولى

عباد الله، اعلَموا يقينا أن دار الدنيا دار بلاء واختبار لجميع العباد، فقد حفت الجنة بالمكاره كما حفّت النار بالشهوات، ونوازع الخير والشر تقتتل على قلب العبد للاستيلاء عليه، وأنوار الإيمان وظلمات الكفر والعصيان في صراع مستمرّ، فكل منها يحاول جذب العبد إليه. فالعبد في صراع دائم مع نفسه وهواه، نفسه تميل به إلى الشهوات، لكن الإيمان يحول بينه وبينها، فيتركها لله فيكون مأجورا، وتارة يغلبه شيطانه وتدفعه نفسه الأمارة بالسوء، فيقع في المعصية، فتذهب حلاوتها ويبقى وزرها ونتاجها.

عبد الله، هل سمعت في يوم من الأيام طفلا أو شابّا أو حتى رجلا كبيرا يدعو على والديه بالنار ويكرر: اللهم اجعل والدي ووالدتي حطَبا لجهنم؟! لا أظنّك سمعت هذا من قبل، هل تريد أن تسمع؟ إذًا عليك بزيارة عاجلة إلى دارِ رِعاية الأيتام واللّقطاء لترى البراءة، نطفا محرّمة رمِي بها فعاشت بلا أب ولا أم، فإذا بها قلوب تدعو وألسنة تلهج: اللهم اجعل والِدِي ووالدتي في النار كما ضيّعوني، اللهم اجعل والدي ووالدتي في النار كما تركوني، اللهم اجعل والدي ووالدتي في النار كما حرموني، حتى كلمة "أمي" حتى كلمة "أبي" لم يعطوني.

نعم أيها الكرام، هذا حال كثير من اللقطاء ممن أفاق للعالم ليرى نفسه بلا أب أو أم.

عباد الله، كثيرا ما يجد أحدهم عند مسجد أو محطّة أو مستشفى لقيطا، وما ذاك إلا لوقوعٍ في جريمة وارتكابِ كبيرة ولعبة قبيحة. نعم، إنها لعبة الذئاب: الزنا.

جريمة الزنا أفحش الفواحش وأحطّ القاذورات، حرمه ربّكم وجعله قرينًا للشرك في سفالة المنزلة والعقوبة والجزاء، فقال تعالى: الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور: 3], ويقول في الجزاء والعقوبة: وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان: 68].

الزنا إثم وجرم عظيم لا يكبره إلاّ الشرك بالله وقتل النفس المعصومة، وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء: 32]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن))، وفيهما أيضًا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا يحِلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة))، وعن أبي هريرة مرفوعًا: ((إذا زنى الرجل أُخرج من الإيمان وكان عليه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان)) أخرجه أبو داود والحاكم. قال الإمام أحمد رحمه الله: "ليس بعد قتل النفس أعظم من الزنا". وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله : أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: ((أن تجعل لله ندًا وهو خلقك))، قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أيّ؟ قال: ((أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك))، قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تزاني حليلة جارك)). وكم من ذئب خبيث غدَر بجاره واستحلَّ عظيم الزنا فوقَع في غضب الله.

ما أقبح جريمة الزنا، إن الزاني يبدّد الأموال، وينتهك الأعراض، ويقتل الذرّيّة، ويهلك الحرثَ والنسل، عاره يهدم البيوت ويطأطئ الرؤوس، يسوِّد الوجوه، ويخرس الألسنة، ويهبط بالرجل العزيز إلى هاوية من الذلّ والحقارة والازدراء، ينزع ثوب الجاه مهما اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما ارتفع، الزنا بقعة سوداء لا يقتصر تلويثه على فاعله، بل إنه يشوّه أفراد الأسرة كلّها، إنه العار الذي يطول ولا يزول، بانتشاره تغلق أبواب الحلال، ويكثر اللّقطاء، وتنشأ طبقات في المجتمع بلا هوية، إنه الزنا، يجمع خصال الشرّ كلها؛ من الغدر والكذب والخيانة، إنه ينزع الحياء، ويذهب الورع، ويزيل المروءة، ويطمس نور القلب، ويجلب غضب الربّ، إذا انتشر أفسد نظام العالم في حفظ الأنساب وحماية الأوضاع وصيانة الحرمات والحفاظ على روابط الأسرة وتماسك المجتمع.

لعبة الذئاب حب وغرام، وآخرها زنا وفضيحة ثم أولاد حرام. يقول أحد الدعاة الأخيار وهو طبيب: هذه حادثة وقفت عليها بنفسي عندما كنت في المستشفى فترة التطبيق، يقول: مررت أنا وبعض الزملاء على غرفة حديثي الولادة، وكان عند البوابة رجل أمن، استغربنا وقوف رجل الأمن، وعندما دخلنا الغرفة وجدنا طفلة رضيعة شكلُها غريب، قد أوصل التنفس فيها من الفم إلى الحنجرة، وأنبوب من الأنف إلى المعدة، وإبر قد أثبتت في رأسها، وإبر في ذراعيها وفخذيها، نصف الرأس مهشم، وإحدى العينين قد دخلت في الرأس، والأضلاع مكسرة، يا ترى ما قصتها؟! رضيعة وبهذه الحال؟! يقول الدكتور: هذه الرضيعة ضحيّة شاب وفتاة، مكالمات ورسائل حبّ وغرام، استمرت المكالمات وأنشدَها الكلمات والأشعار، ثم زرعت الثقة، ثم خرجت معه، أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ [البلد: 7]، الله يراهما ولكن يستر، الله يراهما ولكن يحلم، تحرّك الجنين وأخذا يفكّران في حلّ هذه المصيبة، ولكن لا جدوى، أخذ الذئب الخبيث يضرِب في بطنها لعلّه يجهض الجنين فلا ينكشف أمرهما، يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ [النساء: 108]، فإذا بالبطن يكبر ويأخذها والدها إلى المستشفى، ويفاجأ بأنها حامل ولا بد من إخراج الجنين، فيخرج الجنين مهشَّمَ الرأس مكسَّر الأضلاع. القصة لم تنتهِ، الفتاة خلف القضبان، أحضروها إلى جنِينها لكي تنظر، لكي تنظر إلى آثار تلك الضّحكات والمكالمات والليالي الحمراء، خرت على ركبَتَيها تبكي، أما الذئب فقد انتهت لعبتُه ولا يدرون إلى أين ذهب، ولكن الله يدري. والأدهى والأمرّ أنه يأتي والد تلك الفتاة بعد ذلك التسيب والإهمال وعدم الاهتمام ويدخل الغرفة ويخرج المسدس ليقتل تلك الطفلة الرضيعة، ما ذنبها؟! هل دنّست لك عرضا؟! هل شوّهت لك سمعة؟! ولكن أتى الممرّضون وأمسكوا به ووَضَعوا حارِسَ أمن. وبعد أيام ماتت الرضيعة. زنا وحرام فقتلٌ وإجرام، إنه الزنا لعبة الذئاب.

عباد الله، انظروا في أحوال المأفونين من أهل الحضارة الإباحية والمغرورين بها، لقد أطلقوا لشهواتهم العنان، واستباحوا كلَّ ممنوع، ونبشوا كلَّ مدفون، وكشفوا كلّ مستور، تنصّلوا من مسؤولياتهم العائلية، وجروا خلف كلّ بغي وفاجر. وهل أدى بهم ذلك إلى تهذيب النفوس كما يقولون؟! وهل أنقذهم من الكبت والهم كما يزعمون؟! لقد انتهى بهم إلى سعار مجنون لا يهدأ ولا يرتوي، لقد قلّ نسلهم، وتوقف نموّهم؛ مما ينذر بفنائهم. لقد قلّ نسلهم لأنهم قضوا شهواتهم بغير الطريق المشروع، وتهربوا من المسؤولية، وتبرؤوا من سياج الأسرة، الحلال عندهم لا يفترق عن الحرام، لا يغارون على محارم، ولا يشمئزّون من فواحش، العلاقات عندهم معزولة عن الخُلُق والروح والدين والعبادة، وعند استقبال الآلاف المؤلّفة من اللقطاء وأولاد التبني لا يسألون: من أين جاؤوا؟! ولا يكترثون بالآثار الاجتماعية التي يخلّفها من لا آباء لهم ولا أمهات، وهم يزعمون أنهم أرباب العلوم والمعارف، ولله الحمد والمنة أن الإسلام يرفض بحسم وحزم هذه المظاهر والنتائج الفوضَوِيّة.

عباد الله، ما انتشر الزنا في مجتمع من المجتمعات إلا وكان حريا بالعذاب، قال : ((ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل)) أخرجه أحمد وصححه الألباني. فالزنا دمار المجتمعات وجالب العقوبات وناشر الأمراض، ففي الحديث أن النبي قال: ((خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن))، وذكر منها: ((لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)). فهذه أمراض الزنا تنتشر في بلاد التحلّل والحرية، وهذا مرض العصر الإيدز يفتك بالزناة والزواني وأهل الفواحش، عافانا الله وإياكم.

عباد الله، النهي والتنفير من هذه الكبيرة قد لا يكفي في حجز العباد؛ لأن الشهوة قد تغلب عليهم، فيقعون في الزنا، فكان لا بد من الردع والترهيب، فصارت عقوبة الزاني المحصَن الرجم حتى الموت، وغير المحصن يجلد مائة جلدة بلا رأفة ويغرَّب عاما، الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور: 2]، هذا حدّ الزاني والزانية وما يجري عليهما في الدنيا من سوء حال ودوام الخوف واضطراب النفس وخشية الفضيحة، كل ذلك مقابل شهوة عابرة.

وعذاب الآخرة أشد وأنكى، ففي صحيح البخاري رحمه الله في حديث منام النبي قال: ((فانطلقنا فأتينا على مثل التنّور، أعلاه ضيّق وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات))، قال: ((فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ـ أي: صاحوا من شدة حره ـ فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني ـ يعني من الرجال والنساء ـ، فهذا عذابهم إلى يوم القيامة)). فهل تطيق أجسادهم أن توضع في تنور فتشوى؟! وذلك مقابل ماذا؟! مقابل لحظات زيّنها الشيطان واستسلم فيها العبد لهواه.

تفنى اللّذاذة مِمّن نـال صفـوتهـا   من الحرام ويبقـى الخزيُ والعـار

تبقـى عواقب سـوء من مغبّتهـا   لا خيْر فِي لذّة مـن بعدها النـار

أقول قولي هذا وأستغفر الله.

 

الخطبة الثانية

سؤال يطرح نفسه: ما الذي أدّى بكثير من شبابنا وفتياتنا إلى الوقوع في هذه المعصية الكبيرة والجريمة الخطيرة؟ فشبابنا من البلاد سافروا، وفتياتنا من البيوت هَربوا.

عباد الله، لعل من أهم الأسباب:

أولا: قلة الوازع الديني، فوالله لو عظّمنا الله وخِفنا عقاب الله ما وقعنا في معصية الله، ولكننا نسينا أو تناسينا وغفلنا أو تغافلنا نظَرَ المولى جل وعلا إلينا.

فتاة تعلق قلبها بشاب، وتواعدا على معصية الله على مسمع ومرأى من الله، ركبت معه السيارة ضاحكة لاهية، لكنّها كانت حذِرة خوفا من الناس، أما رب الناس فكانت منه في مأمن، وبعد أن أقنَعَها المجرِم بأنه قد شغفها حُبًّا وأخذ يقنِعها أنّ السيارة لا تصلح للّقاء فالناس من حولهم، وبعد الخوف والتردّد وإلحاح المجرم وافقت، ولكن بشرط أن يذهبا إلى مكان آمن؛ لأنها تحسّ بخوف، تريد مكانا لا يراهما الناس فيه، فاستغلّ تلك المبادرة وقال مستهترا وبثقة: "والله، لآخذنَّك إلى مكان ـ ثم تبرّأ منه لسانه ـ والله لآخذنك إلى مكان لا يرانا الله فيه". انظروا إلى أين أوصَله الشيطان، رُبَّ كلمة يقولها المرء لا يلقي لها بالا يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه. فسمعه من؟ سمعه الله جبار السماوات والأرض، الذي حرك قلبه وأجرى دمه، سمعه الجبار الذي خسف بقارون، سمعه الجبار الذي أغرق فرعون، أطلق الجبار أوامره من فوق عرشه سبحانه، فإذا بمداهمة ليست كالمداهمات، مداهمة تحرّكت من فوق السماوات. لما استخفيا من الناس وأمِنا مكر الله ظنّا أن لا رقيب، وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت: 22].

لما خلع ملابسه وبدأ جريمته فإذا به يخرّ مِن طوله، أوقف الله قلبه وأخرس لسانه وعطّل أركانه، فإذا به يخرّ على وجهه منكبًّا عليها، قامت تقلِّبه يمنة ويسرة، تلمس نبضَه تحسّس أنفاسه، لا أنفاس، لا نبض، فإذا بها كالمجنونة تخرج وتنسى نفسَها، وبهستيريا تصرخ بعد أن مات: "يقول: ما يشوفه أخذ روحه، يقول: ما يشوفه أخذ روحه". فكيف وجد تلك النهاية؟ بل كيف انتزعت روحه؟ وعلى أي حال صعدت؟ نسأل الله العافية.

عباد الله، ومن أسباب الوقوع في هذه الجريمة ثانيا: الإعلام الإباحي الفضائِحي، فالشاب والفتاة قد حوصِروا ومِن جهاتهم الأربع: دش وإنترنت، أطباق وفضائيات، ومهما طلب قيل له: تفضّل.

ومن أسباب الوقوع في هذه الجريمة ثالثا: عضل كثير من الآباء لبناتهن ومنعهنّ من الزواج، فهذا أب له ستّ بنات معلّمات لم يزوّجهن طمعا في مرتباتهن، وهذا لا يريد إلاّ شابا غنيّا، وغيره لا يزوّجهن تكبّرا وترفّعا وهكذا.

وفي هذه الأزمنة شمل عضل بعض الآباء حتى الأبناء، يأتي الشاب إلى والده يطلب سيارة فيقال له: تفضل، يطلب إعلاما فضائحيا ممثلا في الدش أو الإنترنت فيقال له: تفضّل، يطلب مبلغًا ضخما للسفر إلى الخارج فيقال له: تفضل. وإذا جاء وعلى استحياء وقال: أريد الزواج والعفة والإحصان، قيل له: لا, وبتجهّم وتأفّف: لا, توظّف. وكما يقال باللهجة العامية: "تسَبَّع وتَعالَ نزوّجك".

عباد الله، ولعل من أسباب الوقوع في هذه الجريمة الجفاف والكَبت العاطفي الذي تعاني وَيلاته كثير من الأسر، فهذا أب لم يقبّل أولاده من يوم كذا وكذا، بل قد يهاجمهم بالشّتم والضرب، وهذه أم لم تجلس مع بناتها وفلذات كبدها منذ شهر كذا وكذا، وهذا أخ لم تعلم منه أخته إلاّ الأوامر والشتائم وسوء التقدير، لم يكلّف نفسه يوما أن يخرِجهم في نزهة أو يشاركهم في لعبة.

عباد الله، الشباب بنار الشهوة يستعرون، والفتيات بنار الشّوق يكتوون، والآباء والأمهات في نوم عميق، وإلا ما سبب الهروب المتزايد والجرائم المتلاحقة.

عباد الله، أخيرًا قضيّة مهمة أختِم بها حديثي معكم عن هذا الموضوع الخطير، وهو أن الزنا دينٌ، الزنا قرضٌ، الذي ينتهك أعراض الناس لا بدّ وأن ينتهك عرضه، الذي يزني بنساء الناس يُزنى بنسائه إذا لم يتب ويرجع إلى الله.

كان أحد الدعاة الأخيار يعظ الناس في محاضرة عن الزنا وخطره ومضارّه وهَلَكته وأنه دَين، وكان يردّد:

إنّ الزنا دين إن استقرضته      كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

إن الزنا دين إن استقرضته      كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

وهكذا... وإذا به يفاجأ بأحدهم يرفع يده، ظن أن لديه سؤالا أو تعقيبا، ولكنه فوجئ بقول الشاب وباللهجة العامية: "يا شيخ، أنا أحبّ البنات، وأجري ورا البنات، وما عندي خوات، ولا أنا متزوّج ولا راح أتزوج، يعني ما عندي بنات، يا الله حلّها"، وضحِك وضحك بعضُ الحضور، فما كان من الشيخ الفاضل إلا أن وعَظَه وحذّره وبعد أن أنهى محاضرته انصرف. تمرّ الأيام وتسير الليالي، وفي ليلة من الليالي يرنّ هاتف الشيخ، يرد: نعم من؟ فإذا به ذاك الشاب الذي اعترَض كلامَه وسخِر منه، إنه يبكي وينتحِب، يا تُرى ما الذي حصل؟ ما الذي جرى؟ يقول الشاب: عدت إلى المنزل وكالعادة في وقت متأخر من الليل، وفي طريقي إلى غرفتي سمعت صوتا خافتا في الغرفة المجاورة، أفتح الباب فإذا بالفاجعة، إنها... نعم، لقد نسي أن له أمّا قد هتك سترها وأذهب حياءَها، فيا للمصيبة.

ورحم الله الشافعي حيث يقول:

عُفــوا تعف نسـاؤكم فِي المَحـرم   وتجنبوا مـــــــــــــا لا يليـــــــق بِمسلــــــم

يـا هـاتكًا حُرم الرجـال وتابعًـــــــا   طرق الفســــاد فأنــــت غير مُكرّم

مـــن يزن في قـوم بألفــــــي درهم    فِي أهله يــــــــــزنَى بربــــــع الدرهــــــــم

إن الزنــــــا ديــــــــن إن استقرضتـه   كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

لو كنـت حرًا من سلالة مـاجد   مـا كنت هتــــــاكًا لِحرمـــــة مسلم

من يزن يــــزن به ولـــــــــو بجـداره    إن كنـت يا هـــذا لبيبًا فـــــــافهم

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً