.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

هجرة النبي

6332

سيرة وتاريخ

السيرة النبوية

إبراهيم بن سلطان العريفان

الخبر

27/12/1431

جامع أبي عائشة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- قصة الهجرة. 2- وصول النبي إلى المدينة. 3- روحانيات المجتمع المدني. 4- نداء لشباب اليوم. 5- التنبيه والتحذير من بعض بدع آخر العام.

الخطبة الأولى

إخوة الإيمان والعقيدة، لقد وقف المشركون أمام بيت رسول الله يريدون قتله، فجاءه الوحي بذلك: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، ورسولنا محفوظ بحفظ الله ورعايته، ولذا خاطبه خالقه بقوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ، فعصمه الله من المشركين، وخرج من بين صفوفهم، وحثا على وجوههم التراب وهو يتلو قوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ. ولما خرج رسول الله هب كفار مكة مذعورين يطلبونه في كل مكان، وبعثوا القافة ومن يعرفون الطرق، ورصدوا مائة ناقة لمن يأتيهم بخبره حيًا أو ميتًا، لكن أمر الله نافذ، وتتابع أصحاب رسول الله ينتقلون من مكة إلى المدينة لحوقًا برسولهم الذي يفدونه بأنفسهم وأموالهم.

عباد الله، لقد كانت هجرة محمد وأصحابه بسبب الفتنة العظيمة التي تعرض لها المسلمون والاستضعاف الذي لحق بهم من الكفار خلال ثلاثة عشر عامًا، وانتظر رسول الله الإذن من ربه له باللحوق بأصحابه حتى جاءه الأمر، فهاجر والتجأ هو وصاحبه أبو بكر إلى الغار، وحينما شعر أبو بكر بدنو الباحثين عنهم قال لرسول الله هامسًا: لو نظر أحدهم تحت قدمه لأبصرنا، فأجابه الرسول بيقين وثبات: ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!))، ونزل الوحي: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

وانطلق النبي المعصوم هو وصاحبه أبو بكر يقطعان بطون تهامة في ليل دامس وقيظ محرق تتلظى له رمال الصحراء، لا يعبآن بآلام السفر وعنائه، ولا يكترثا بالمشاق والصعاب إذ يهون كل شيء من أجل الدين، وكان أهل المدينة يتحرقون شوقًا إلى مقدم الهادي الأمين بعد أن علموا بهجرته من مكة إليهم، كانوا يخرجون كل يوم من بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس ويشتد الحر ثم يرجعون إلى بيوتهم.

ووصل الحبيب وصاحبه إلى قباء وأسس مسجدها الذي قال الله فيه: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ. ولما وصل الرسول إلى المدينة أحاط به المسلمون من كل جانب في موكب بهيج يشعر بالعزة، القلوب ممتلئة بشرًا، والسيوف متقلدة، والأرواح متوثبة يعلنون أنهم يفدون رسول الله بأنفسهم وأولادهم وأموالهم.

عباد الله، قد بدأ رسولنا بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فلم يشعر المهاجر الذي ترك بلده وأهله وماله بالغربة لأنه وجد الأهل والبلد والمال من إخوانه الأنصار، وقد أثنى الله على الأنصار في موقفهم الرائد الذي أصبح مضرب المثل: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.

وقد تنادى الصحابة في مكة للهجرة وتركوا كل شيء من أجل الدين والدعوة حتى كان من صهيب رضي الله عنه ما كان حين قال لكفار مكة: أرأيتم إن تركت لكم كل مالي أتتركوني؟ قالوا: نعم، فأعطاهم كل شيء، ولذا قال فيه الرسول : ((ربح صهيب، ربح صهيب))، ونزل فيه: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ. وهكذا انتقل ميدان الدعوة من مكة إلى المدينة في أرض خصبة قابلة للعطاء والنماء.

لقد كانت الهجرة انطلاقًا إلى حياة أرحب وفيها تمكين لمبادئ الحق والعدل والسلام، تجلت فيها صور التضحية والبذل والفداء، وصور التلاحم والإخاء، وصور الإيثار والمودة، وفيها صور الإخلاص والصدق والوفاء، وتجلى في الهجرة حفظ الله جل وعلا لأوليائه مهما كان ليل أهل الباطل طويلًا.

لقد اشتعلت في الهجرة الروحانيات على الماديات، لقد كان فيها الجود في أعلى مظاهره، ترك المهاجرون وطنهم مع ما للوطن من المكانة في النفس لكن من أجل الدين يهون كل شيء، وترك الأنصار أموالهم لإخوانهم المهاجرين، والمال عديل الروح، لكن من أجل الدين هان عندهم كل شيء.

عباد الله، هذه نماذج من دروس الهجرة فهل يعي شباب اليوم ما قدمه الرسول وأصحابه من تضحيات من أجل الدين؟! هل يعي شباب اليوم ما للوحدة من أثر في رد كيد كل متربص غادر؟! هل يعي شباب اليوم ما تتطلبه المرحلة الحاضرة والقادمة من رص للصفوف وتوحد مع ولاة الأمر لصد عدوان كل متربص ببلادنا شرًا؟! هل يعي شباب اليوم أن الذين شوهوا صورة الدين وفجروا أنفسهم ودمروا اقتصاد بلادهم وقتلوا رجال الأمن أن ذلك كله يخدم الأعداء ويسهل لهم النيل من الإسلام والمسلمين؟! اللهم وفق شبابنا لكل خير، وخذ بأيديهم لما فيه عز دينهم وسلامة بلادهم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين، اعلموا أن الله جل وعلا جعل نبينا خاتمِ الأنبياء، وجعل ديننا خاتمِ الأديان وأكملِها، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا. هذه الآية من آخر ما نزل من القرآن، وفيها بيان أن الله أكمل هذا الدين، فليس بحاجة إلى أحد يشرع شيئًا ويلزم الناس به إلا ما كان له صلة بتشريعات الإسلام.

في كثير من الأحيان تروج البدع ويكون قصد مروجيها حسنًا، لكنهم يضرون أنفسهم ويضرون غيرهم، وفي كل عام في آخره تحدث بعض الاجتهادات حتى تصل إلى حد البدعة، وهذا من جهل الناس وانطلاقهم من العواطف والحماس غير المنضبط.

فهناك من ينشر أقوالًا وأفعالًا يظن أن فيها مصلحة وخيرًا للناس، لكن في واقع الحال هذه الأمور معدودة من البدع، ولذا ينبغي على الإنسان أن لا يقدم على شيء ليس له مستند شرعي حتى يسأل عنه أهل العلم.

عباد الله، في آخر كل عام تكثر رسائل الجوال مثل: اختم العام بالاستغفار، واختم صحيفة العمل بالصيام والدعاء، ومثل: ابدأ صحيفة العام الجديد بالعمل الصالح، أو يقول في آخر يوم من العام: أرجو أن تسامحني وأن تعفو عني، ويرسل هذه الرسائل لأقوام لا يعرفهم.

والأدهى والأمر أن يقول: لأني أحبك أمانة في رقبتك أن تصلي على محمد عشر مرات وترسلها لغيرك وستسمع خبرًا سارا. أو يقول: قل: لا إله إلا الله عشر مرات وأرسلها لعشرة أشخاص. أو يقول: حاسب نفسك في آخر جمعة، فما تدري هل تصلي جمعة أخرى أم لا.

أيها المؤمنون، هذه الكلمات في أصلها لا شيء فيها، لكن تقييدها بزمن أو مكان هو الممنوع، والقاعدة عند أهل العلم: أن تقييد العبادة بزمن أو مكان لم يرد فيه نص شرعي يعتبر من البدع.

إن انتشار البدع ورواجها حصل بمثل هذا الحماس وتلك العواطف التي لم تلجم بلجام الشرع، فلينتبه العقلاء وليحذروا عواطف الجهلاء وحماس الشباب غير المنضبط.

وكثير من الرسائل تقول: "أمانة في رقبتك"، من أنت حتى تخوفني؟! وهل لك سلطة تحملني أمانة؟!

فتعاونوا -أيها المؤمنون- على الخير ووضحوا الأمر للجهلاء، وعلى طلاب العلم أن يجلّوا الأمر في دروسهم ومجالسهم وخطبهم لعل الله أن ينفع بالأسباب.

اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا وعملًا صالحًا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً