.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

السنة الجديدة

6290

الرقاق والأخلاق والآداب

اغتنام الأوقات

عبد الرحمن بن الصادق القايدي

جدة

1/1/1431

جامع الأنصار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- توديع عام واستقبال عام. 2- كثرة المتغيرات الكونية في السنوات الأخيرة. 3- عجز البشر أمام هذه التغيرات. 4- آيات الله التي يخوف بها عباده. 5- التذكير بأحداث الهجرة النبوية. 6- ضرورة المحاسبة والاستعداد للرحيل.

الخطبة الأولى

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فحياة الإنسان مراحل يسيرها، وهو في أثناء ذلك مستعد للرحيل وراحل، فالحازم من حاسب نفسه يوما بيوم وساعة بساعة، فهنيئا لمن أحسن واستقام، والويل لمن أساء وارتكب الآثام، ويتوب الله على من تاب، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ.

أيها المسلمون، ها أنتم في بداية عام جديد، وقد ودعتم عاما قبله، وعامكم الذي ودعتم جرت فيه أحداث، وتجلّت فيه آيات لمن تأمل فيها وتفكر. يذكر علماء الرصد والإحصائيون عن تكاثر المتغيرات الكونية على هذه الأرض وتتابع الحوادث والكوارث في هذا العصر حتى قالوا: إن الزلازل في السنوات الأربع الماضية أكثر مها أربع مرات مما لم يحصل مثله طوال عشرين سنة في القرن الماضي، ويقولون: إنها كلما تقدم الزمان زاد عدد الزلازل والكوارث بشكل كبير.

أيها الإخوة المؤمنون، إن المتأمل والناظر بعين يقظة إلى هذه الآيات والحوادث والكوارث يجدها ما بين موج عات وماء طاغ وسيول جارفة وخسف مهلك وزلزال مدمر أو وباء مميت منتشر، يرسل الله الجراد والقمل والضفادع والدم والطيور بأمراضها والأعاصير برياحها والفيضانات بمائها في آيات مفصلات، أمراض مستعصية وأوبئة منتشرة تحملها طيور وتنقلها حيوانات، لا يملك أحد صدها، ولا يستطيع أحد ردها ولا السيطرة عليها مهما أوتي من علم في مكتشفاته ومختبراته، لا يملك السيطرة عليها ولا الحد من انتشارها ولا دفعها إلا الله، إنها جنود من جند الله في البر والبحر والجو، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ، فالكون كله بإنسه وجنه وأرضه وسمائه وبره وبحره ما علمنا منه وما لم نعلم كلها مسخرة بأمره تعالى، يمسك ما يشاء عمن يشاء، ويرسل ما يشاء إلى من يشاء، وكيف لا تدرك عظمة الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه ومن جنوده من يهلك أمما ويدمر ديارا في ثوان، ومنها ما ينتقل عبر الماء، ومنها ما يطير في الهواء، ومنها ما يرى، ومنها ما لا يرى، نذر وآيات وعقوبات وتخويفات لا تطيقها الطاقات ولا القدرات، أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ.

عباد الله، إنها آيات الله وأيامه تظهر فيها عظمة ذي الجلال وقدرته وأمره وتدبيره. إن هذه الحوادث والقوارع توقظ قلوبا غافلة لتراجع دينها وتوحيدها، ويفيق بعض من غرتهم قوتهم، فيتذكرون أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة، وبخاصة أولئك المستكبرون ممن غرتهم قوتهم وطال عليهم الأمد وفرحوا بما عندهم من العلم، ولقد ذكر الله لنا في كتابه الكريم صورا كثيرة لهؤلاء المستكبرين الكافرين؛ لعلنا نعتبر ونتفكر في كل هذه الأحداث المذكورة في قرآننا العظيم، ومن ذلك قوله تعالى: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ، وقال في آخرين: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.

أحبتي في الله، كم من الناس يرى من حوله من يتخطفون ويقتلون، ويقرأ آيات الله، لكنه لا يعتبر؛ لأنه في غفلة كبرى، لا يستيقظ منها إلا إذا وقع القول وقدر الله، فحينئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمن من قبل، فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، ولا تكونوا كالذين قست قلوبهم وغلظت أكبادهم، فلا تعتبر ولا تتذكر. إن من تأمل أحوال بعض الناس يرى أمورا مخيفة، فيهم جرأة على حرمات الله شديدة وانتهاكات عظيمة، فالحذر الحذر من مكر الله، فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ، قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه...

 

الخطبة الثانية

أما بعد: أيها المسلمون، ونحن في استقبال العام الهجري الجديد علينا أن نستذكر الهجرة وصاحبها وما مر عليه من أحداث عظام، لأن في السيرة النبوية سلوى لكل مسلم حيال ما قد يتعرض له من مشاق أو مضايقات في هذه الدنيا، وفي السيرة النبوية سلوى لهذه الأمة حيال كل ما يكاد لها من مؤامرات يحيكها أعداء الإسلام ضدها، فلتثق هذه الأمة بدينها، ولتثق بمستقبلها، ولتثق بأن نصر الله لا يتأخر عن موعده لعباده الصالحين، والخسارة لأعداء الدين، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

فانظر -أيها الحبيب- في صحائف أيامك التي خلت ماذا ادخرت فيها لآخرتك، واخل بنفسك وخاطبها: ماذا تكلم هذا اللسان؟ وماذا رأت العين من مناظر حلال وحرام؟ وماذا سمعت الأذن؟ وأين مشت القدم؟ وماذا بطشت اليد؟ ومطلوب منك وأنت في هذه الدنيا أن تأخذ بزمام نفسك وأن تحاسبها، يقول ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقيا حتى يكون مع نفسه أشد من الشريك مع شريكه". فلنحاسب أنفسنا على المنهيات، ولنحاسب أنفسنا على الغفلات، فنحن نمتطي عربة الليالي، والأيام تسرع بنا إلى الآخرة، وكما قال : ((خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله)) رواه أحمد.

اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن الليل والنهار مطيتان يباعدانك من الدنيا ويقربانك من الآخرة، فطوبى لعبد انتفع بعمره، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ. تتجدد الأعوام وتنتهي ونقول: أمامنا عام جديد، نراه طويلا، لكن سرعان ما ينتهي وينقضي، ويصبح ماضيا، قال ابن عمر : أخذ رسول الله بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) بمعنى: لا يطمئن المؤمن ولا يركن إلى هذه الدنيا، بل يعتبر نفسه غريبا يوشك أن يعود إلى مستقره وبلده أو عابر سبيل مرّ وارتحل.

فعليك -أخي المسلم- أن تعزم من بداية هذه السنة على أن تجتهد في الطاعة وأن لا تضيع أيام وساعات عمرك، ولكن في الخير، ولقد كان نبينا دائما يلهج بهذا الدعاء: ((اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر)) رواه مسلم.

وإن من خير ما تستفتحون به عامكم الجديد ما حثكم عليه نبيكم من صيام يوم عاشوراء وصيام يوم قبله ويوم بعده، وقال : ((صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية)). فبادروا إلى الخيرات، وأروا الله من أنفسكم خيرا.

وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً