.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

سيرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

6267

سيرة وتاريخ, قضايا في الاعتقاد

الصحابة, تراجم

عدنان بن عبد الله القطان

المنامة

جامع أحمد الفاتح الإسلامي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- عظمة الأمة المحمدية. 2- إسلام عمر. 3- من فضائل عمر. 4- خلافة عمر. 5- رحمة عمر. 6- زهد عمر. 7- عدل عمر. 8- عمر في عام المجاعة. 9- استشهاد عمر.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

معاشر المسلمين، إنّ هذه الأمة أمة عظيمة، وأمّة كريمة مجيدة، ما شهد التاريخ مثلَها، وما عرف المخاض مولودًا أكرم على الله منها، أمّة تغفو ولكنّها لا تنام، قد تمرض ولكنّها لا تموت، أمّة أنجبت للدّنيا علماء فقهاء، وأخرجت للكون أبطالا شرفاء، ولنا اليوم وقفةٌ مع تاريخِ هذه الأمة، لنقلّب الصفحات نلتمّس العبَر والعِظات.

اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر      ضل قوم ليس يدرون الخبر

ووقفةُ اليوم مع علَم من أعلام هذه الأمة، ورجلٍ من خِيرة رجالاتها، صائم إذا ذكر الصّائمون، وقائم إذا ذكِر القائمون، وبطَل مِغوار إذا ذكِر المجاهدون. إذا ذكر الخوف قيل: كان له خطّان أسودان بين عينيه من البكاء، وإذا ذكر الزّهد والإيثار قيل: لم يكن يأكل حتى يشبَع المسلمون، وإذا ذكِرت الشدّة في الحق قيل: هو الذي كان إبليس يفرق من ظلّه، والشياطين تسلُك فجًّا غيرَ فجِّه.

أحسبكم -أيها الإخوة- قد عرفتموه، إنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورفيقُه في دعوتِه وجهاده، والخليفة الراشد بعد وفاة النبي ، وصاحبه رضي الله عنه وأرضاه.

أسلم عمر فأعزّ الله به الإسلام، وهاجر جهارا نهارا، وشهِد مع رسول الله بدرا وأحدًا والمشاهد كلَّها، وهو أوّل خليفة دعِي بأمير المؤمنين، وأوّل من كتب التاريخ للمسلمين، وأوّل من جمع القرآن في المصحف، وأوّل من جمع الناس على صلاةِ التراويح، وأوّل من طاف بالليل يتفقّد أحوالَ المسلمين، حمل الدّرّة فأدّب بها، وفتح الفتوحَ، ووضع الخراجَ، ومصَّر الأمصار، واستقضَى القضاة، ودوّن الديوَان، وفرض الأُعطية، وحجّ بأزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر حجّةٍ حجّها، قال ابن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((بينما أنا نائم أوتيت بقدح من لبنٍ، فشربت منه حتى إني لأرى الرِّيّ يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلِي عمرَ))، قالوا: فما أولتَ ذلك؟ قال: ((العلم)).

سبحان الله! رجل اجتمع له العلم والدين، فأي رجل هو هذا؟! قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا ذكِر الصالحون فحيّهلا بعمر، إنّ عمرَ كان أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله)، كان عمر شديد الخوف من ربّه، عظيم الخشية له، وكان يقول: (لو مات جديٌ بطفّ الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر). وعن عبد الله بن عامر قال: رأيت عمر بن الخطاب أخد تِبنة من الأرض فقال: ليتني كنتُ هذه التّبنة، ليتني لم أُخلق، ليت أمّي لم تلِدني، ليتني لم أكن شيئًا، ليتني كنت نِسيا منسيًّا؛ خوفا من الله تبارك وتعالى. وقال الحسن رضي الله عنه: كان عمر يمرّ بالآية من ورده فيسقطُ حتى يعاد منها أيامًا.

عرَف عمر ربَّه، وعرف قدرَ نفسه، فتواضع لله، فرفَع الله ذكرَه، وأعلى شأنه، قال عبيد الله بن عمر بن حفص: إنّ عمر بن الخطاب حمل قربةً على عنقه فقيل له في ذلك، فقال: إنّ نفسي أعجبتني فأردتُ أن أذلَّها.

بويع بالخلافة فكان سيفًا على أهل الباطل شديدًا عليهم، وسندًا لأهل الحقّ ليِّنا معهم، قام على الأرامل والأيتام، فقضى لهم الحاجات، وفرّج عنهم الكربات، روِي أنّ طلحة رضي الله عنه خرج في ليلةٍ مظلمة، فرأى عمرَ قد دخل بيتًا ثم خرَج، فلمّا أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا فيه عجوزٌ عمياء مقعدَة لا تقدِر على المشي، فقال لها طلحة: ما بال هذا الرجل يأتيك؟! فقالت: إنه يتعاهدني من مدّةِ كذا وكذا بما يصلِحني ويخرج عني الأذى.

وبينا هو يمشي في ليلة من الليالي إذ بامرأة في جوف دارٍ لها وحولها صبية يبكون، وإذا قِدْرٌ على النار قد ملأته ماءً، فدنا عمر من الباب فقال: يا أمة الله، ما بكاء هؤلاء الصبيان؟ قالت: بكاؤهم من الجوع، قال: فما هذا القِدْرُ الذي على النار؟ قالت: قد جعلتُ فيه ماءً، هو ذا، أُعلّلهم به حتى يناموا، وأوهمهم أن فيه شيئًا، فبكى عمر، ثم جاء إلى دار الصدقة، وأخذ غِرارة، وجعل فيها شيئًا دقيقًا وشحمًا وسمنًا وتمرًا وثيابًا ودراهم حتى ملأ الغرارة، ثم قال لمولاه: يا أسلم، احمل عليّ، قال: يا أمير المؤمنين، أنا أحمله عنك، فقال: لا أمّ لك يا أسلم، أنا أحمله، لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة، فحمله حتى أتى به منزل المرأة، فأخذ القدر، فجعل فيه دقيقًا وشيئًا من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده، وينفخ تحت القدر، قال أسلم: فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده، ويطعمهم حتى شبعوا.

ولما رجع من الشام إلى المدينة انفرد عن الناس ليتفقّد أحوالَ الرعية، فمرّ بعجوزٍ في خِباء لها فقصدها، فقالت: يا هذا، ما فعل عمر؟ قال: قد أقبل من الشام سالمًا، فقالت: لا جزاه الله خيرا، قال: ولم يرحمك الله؟! قالت: لأنّه –والله- ما نالني من عَطائه منذ تولّى أمرَ المسلمين دينارٌ ولا درهم، قال: وما يدرِي عمر بحالِك وأنت في هذا الموضع؟! فقالت: سبحان الله! والله ما ظننت أن أحدًا يلي على النّاس ولا يدري ما بين مشرِقها ومغرِبها، فبكى عمر وقال: وا عُمَراه، كلّ أحدٍ أفقه منك يا عمر، حتى العجائز. ثم قال لها: يا أمةَ الله، بكم تبيعيني ظلامَتك من عمَر، فإني أرحمه مِنَ النّار، فقالت: لا تستهزئ بنا يرحمك الله، فقال: لست بهزّاء، فلم يزل بها حتى اشتَرَى ظلامتَها بخمسةٍ وعشرين دينارا. فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فوضعَت العجوز يدَها على رأسها وقالت: وا سوأتاه! شتمتُ أميرَ المؤمنين في وجهِه، فقال لها عمر: ما عليك يرحمك الله، ثم طلب رقعةً من جِلد يكتب عليها فلم يجد، فقطع قطعة من مرقعته وكتب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى به عمر من فلانة ظلامتها منذ ولي إلى يوم كذا وكذا بخمسة وعشرين دينارا، فما تدّعي عند وقوفه في الحشر بين يدَي الله تعالى فعمر منه بريء. شهد على ذلك علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود)، ثم دفع الكتاب إلى أحدهما وقال: إذا أنا متّ فاجعله في كفني ألقى به ربي.

فرحم الله عمر، جمعت له الدنيا فأعرض عنها وزهد فيها، قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يرِدها. قال قتادة: كان عمر يلبس وهو خليفة جبّةً من صوف مرقوعا بعضها. وعن أبي عثمان النهدي قال: رأيت عمر يطوف بالبيت وعليه جبّة صوف فيها اثنَتا عشرة رقعة. وجيء بمال كثير من العراق فقيل: أدخِله بيت المال، فقال: لا وربّ الكعبة، لا يُرى تحت سقفه حتى أقسمه بين المسلمين، فجعل بالمسجد وحرسه رجال من المهاجرين والأنصار، فلما أصبح نظر إلى الذهب والفضة والياقوت والزبرجد والدرّ يتلألأ فبكى، فقال له العباس: يا أمير المؤمنين، ما هذا بيوم بكاء، ولكنه يوم بشرى، فقال: والله، ما ذهبتُ حيث ذهبتَ، ولكنه ما كثر هذا في قوم قطّ إلا وقع بأسهم بينهم، ثم أقبل على القبلة فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرَجا، فإني أسمعك تقول: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ.

أيها الأحبة، كان عمرو بن العاص واليًا على مصر في زمن عمر بن الخطاب، فجاء رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، فقال عمر: عذت معاذًا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، لماذا يضربه؟ فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم، ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ ثم قال: خذ السوط فاضرب، فجعل المصري يضرب ابن عمرو بالسوط، ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب والله، فما أقلع عنه حتى تمنّينا أن يرفع عنه. ثم قال عمر لعمرو رضي الله عنهما: منذ كم تعبّدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارً؟! قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم، ولم يأتني.

تلك هي عدالة عمر، وتلك مقولته الخالدة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!

وتستمر مسيرة عمر الخالدة، ويدخل عام الرمادة (عام المجاعة والقحط) سنة ثماني عشرة للهجرة، فيقضي على الأخضر واليابس، ويموت الناس جوعًا، فحلف عمر أن لا يأكل سمنًا حتى يرفع الله الضائقة عن المسلمين، وضرب لنفسه خيمة مع المسلمين حتى يباشر بنفسه توزيع الطعام على الناس، وكان يبكي ويقول: آلله يا عمر، كم قتلت من نفس؟ وهل قتل عمر أحدًا؟! لا والله ما قتل، وإنما أحيا الله به النفوس.

وقف على المنبر يوم الجمعة ببُرْده المرقّع، وأثناء الخطبة قرقر بطنه، أمعاؤه تلتهب من الجوع، فيقول لبطنه: (قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين).

فرضي الله عن عمر وأرضاه، وجمعنا به في الجنة مع حبيبنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَازَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الآمر بالبر والإحسان، الناهي عن الإثم والعدوان، أحمده سبحانه أن هدانا للإيمان وعلمنا البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها المسلمون، لا زالت الدّنيا ترزأ بموت الأخيار، وتبلى بوفاة الأطهار، وتأتي نهاية عمَر بالموت كما هو سبيلُ كلّ حيّ سوى الله، قال ابن عباس رضي الله عنهما: رأيت عمر عند الجمرات، وقد رفع يديه بعدما انتهى من الحج، وقد شاب رأسه، وطال عمره وقال: اللهم إني قد رق عظمي، ودنا أجلي، وكثرت رعيتي، اللهم فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، ثم قال: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك. فأخبروا ابنته حفصة رضي الله عنها وعن أبيها، فقالت: يا أبتاه! أتسأل الشهادة في المدينة؟! قال: إي والله يا بنية. قال ابن عباس: قال عمر في خطبته الأخيرة: وإني رأيت البارحة فيما يرى النائم أن ديكًا ينقرني ثلاث نقرات، فسألت أسماء بنت عميس الخثعمية، فأخبرتني أنني سوف أقتل، فالله المستعان، وسوف أطعن ثم غلبه البكاء، فغلب الناس البكاء، فما هي إلا ليلة فقتل رضي الله عنه وأرضاه في المسجد في صلاة الفجر، فبينما عمر يصلّي بالناس صلاةَ الفجر، إذ طعنه أبو لؤلؤةَ المجوسي لعنه الله، وطعن معه ثلاثةَ عشر رجلا، وتناول عمر يدَ عبد الرحمن بن عوف فقدّمه ليتمّ الصلاة، وأهلُ المسجد لا يدرون ما يجرِي إلا من كان خلفَ عمر، غيرَ أنهم فقدوا صوتَ عمر وهم يقولون: سبحان الله! سبحان الله! فصلّى بهم عبد الرحمن صلاةً خفيفة، فلمّا انصرفوا قال عمر: يا ابن عباس، انظر من قتَلني، فذهب ابن عباس ثم عاد فقال: قتلك غلامُ المغيرة، قال عمر: سامحه الله، لقد أمرتُ به معروفا، الحمد لله الذي لم يجعل ميتَتي بِيَد رجُلٍ يدّعي الإسلام، فاحتمل إلى بيته فانطلَقنا معه وكأن الناس لم تصِبهم مصيبة قبل يومئِذ، فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بشراب فشربه فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميّت، فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجل شابّ فقال: أبشر -يا أمير المؤمنين- ببشرى الله لك من صحبة رسول الله وقدمٍ في الإسلام ما قد علمت، ثمّ ولِّيتَ فعدَلت، ثم شهادة، قال عمر: ودِدتُ أنّ ذلك كفاف، لا لي ولا عليّ، ثم دعا ابنه عبد الله فأمره أن يقضيَ ما عليه من الديون، ثم أمره أن ينطلقَ إلى عائشة ليستأذنها في أن يدفَنَ مع صاحبَيه، فأذنت له وآثرته بالمكان على نفسها، فلمّا رجع عبد الله وأخبر عمر الخبر قال عمر: إن أنا قضيتُ فاحملوني ثم سلّم فقل: يستأذنُ عمر بن الخطاب، فإن أذِنت فأدخلوني، وإن ردّتني ردّوني إلى مقابر المسلمين.

قال عثمان بن عفان: أنا آخركم عهدا بعمَر، دخلتُ عليه ورأسُه في حجر ابنه عبد الله، فقال له: ضع خدي على الأرض، فقال عبد الله: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟! فقال عمر: ضع خدّي بالأرض لا أمّ لك، وسمعتُه يقول: ويلي وويلَ أمّي إن لم تغفِر لي يا رب، حتى فاضَت نفسه، رضي الله عنه وأرضاه.

رزقه الله الشهادة وهو في مسجد رسول الله وفي بلده، ورفعت روحه إلى الحي القيوم، يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.

هذا هو عمر الذي عجَزت نساء الدنيا أن يلدنَ مثله، وقصرت أرحامهن أن تخرج للأرض رجلا على شاكلته. ما بلغ عمر وأصحابُه ما بلغوا إلاّ بهذا الدين الذي أعزّهم الله به، ومن أراد أن يدرك الركبَ فليأخذ بما أخذوا، وليلتَزم ما التزموا، ومن يفعَل ذلك فقد هدِي إلى صراط مستقيم.

رحم الله الفاروق عمر ورضي عنه، ورحم الله سائر صحابة رسول الله صلى عليه وآله وسلم، لقد ودع الفاروق الأمة بعد أن جعل من نفسه مثلا للداعية والمجاهد والعابد والزاهد والخليفة والوالي.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأوْلِى ٱلألْبَـٰبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111].

اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، وأدخلنا الجنة مع السابقين المقربين، مع نبيك وآل بيته وصحابته أجمعين، وارزقنا الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً