.

اليوم م الموافق ‏12/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

الحفاظ على الرصيد

6258

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأعمال

علي بن عبد الرحمن الحذيفي

المدينة المنورة

8/10/1431

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- خير الناس. 2- محو السيئات بالحسنات. 3- يسر الشريعة الإسلامية. 4- التحذير من ركوب السيئات بعد الطاعات. 5- الحفاظ على رصيد رمضان. 6- التحذير من كيد الشيطان.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتَّقوا الله تعالى، فمن اتَّقاه وقاه الله الشرورَ والمكروهات، وأسبَغ عليهِ في الدارَيْن الخيراتِ.

أيّها المسلمون، ألا أخبركُم بخير النّاس وأعظم العابدين أجرًا وأفضلهم عند ربِّ العالمين ذِكرًا؟ هو من أَتبَع الحسناتِ الحسناتِ، وحفِظ نفسَه بحفظ الله ومعونته وتوفيقِه من المحرَّمات، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: 30].

ويلي هذا في الفضل مَن أتبَع السيئةَ الحسنةَ، فعمَلُ الحسنة بعد السيئةِ يمحوها ويقِي من عقوباتها في الدّنيا والآخرة، ويَثقُل بها ميزان العبد عند الله تعالى، فمِن رحمةِ الله وفضلِه وعدلِه أن يحفَظ لعبادِه مثاقيلَ الذرّ من فِعلِ الخيرِ والعمل الصالح، ويُضاعِف لهم ذلك ليُعينهم ويُؤهِّلهم لدخول جنّاتِ النعيم، قال الله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47]، وقال عزّ وجلّ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40]، وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملة، فإن عمِلها كتبها الله عنده عشرَ حسنات، إلى سبعمائةِ ضِعف، إلى أضعافٍ كثيرة، فإن همَّ بسيئةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملة، فإن عمِلها كتبها الله عنده سيئةً واحدة)) رواه البخاري ومسلم.

عبادَ الله، اعلَموا أنَّ الله عزّ وجلّ لا يمحُو السيِّئَ بالسّيِّئ، ولكن يمحُو السيِّئَ بالحَسَن، كما قال الله عزّ وجلّ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود: 114]. وسببُ نزولِ هذه الآية أنَّ رجلاً أصاب مِن امرأةٍ قُبلةً، فأتى النبيَّ فذكر ذلك لَه، فنزلَت هذه الآيَة، فقال: يا رسول الله، ألي هذا خاصة؟ قال: ((بل وللناس كافة)) رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأتْبِع السيئة الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناس بخُلُقٍ حسن)) رواه الترمذيّ.

ولله عزّ وجلّ الفضلُ والمَنُّ علينا أن جعل دينَنا يُسرًا، وشرع لنا أبوابًا من الخير وطُرقًا للأعمال الصالحات كثيرة؛ ليستكثِر المسلمُ من أعمال البِرِّ بما يقدِر عليه وما يُناسِب استعدادَه وحاله بعد أداءِ الفرائض، كما قال النبيّ : ((إنَّ هذا الدين يُسر، فأوغِلوا فيه برفق، ولن يُشادّ الدينَ أحدٌ إلا غلَبه، فسدِّدوا وقارِبُوا وأبشِروا)).

وكما أنَّ الحسنةَ بعدَ الحسنةِ زيادةٌ في الثوابِ والحسناتُ بعد السيّئات يمحُو الله بهنَّ الخطيئات فكذلك السيئاتُ بعد الطاعات قد تُحبِط الحسَنات، كما قالَ الله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا [التوبة: 74]، وكما قالَ تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65، 66]، وقال عزّ وجلّ: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ [المنافقون: 3]، وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنَّ بين يدَي الساعة فتَنًا كقِطع الليلِ المظلم، يُصبح الرجل فيها مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، ويُمسِي مؤمنًا ويُصبِحُ كافرًا)) رواه أبو داود والترمذي.

فهذه الأدلّةُ أفادت أنَّ من المعاصِي ما يُحبطُ العمَل، فاحذر -أيها المسلم- من كلِّ ما يُحبِط أعمالك الصالحات، وحافِظ على طاعتك بدوامِ الاستقامة، والله تعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33].

وللمعاصِي بعدَ الطاعاتِ ضَررٌ آخَر دونَ إحباطِ الأعمال، وضررها أنها تُنقِصُ ثوابَ الأعمالِ الصالحة، كما قال النبي : ((مَن اقتنى كَلبًا نقصَ من أجرِه كلَّ يوم قيراطٌ إلا كَلبَ صيد)).

معشرَ المسلمين، كنتُم في رمضانَ الذي أنعَم الله عليكم فيه بكلِّ الخيرات، وصفَت لكم فيه الأوقات، وحُزْتم فيه على أعظمِ الأجور، وتلذَّذتم فيه بطاعة ربِّكم الرحيم الغفور، فلا تُبدِّلوا صالح أعمالكم بالعصيان، ولا تُنقِصوا ثواب قُرباتكم بطاعة الشيطان، فقد كنتم في حِصنٍ من شرِّه بالصيام والقيام، وبعد الصوم يريد أن يدعوَ من استجاب له إلى هوانِ الذنوب والخُسران، فادحَروه بالاعتصامِ بالقرآن والالتِجاء إلى الرحمن.

ومن كان مُحسنًا في شهر الصيام فليحمد الله كثيرًا، فللَّه الفضل والمنّة أوّلاً وآخرًا على عباده، وليَدُم على طاعةِ ربِّه حتى الموت، فقد ذكَروا عن السلفِ أنهم كانوا يسألون الله ستّة أشهر أن يُبلِّغهم رمضان، ويسألون الله ستّة أشهر أن يتقبَّل منهم رمضان، وكانوا على استقامةٍ في جميع الشهور والأعوام على الدوام. قيل لبشرٍ الحافيّ رحمه الله: إنّ قومًا يجتهدون في رمضان فإذا ذهب تركوا، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.

وأمّا من فرَّط وأساءَ فيما مضَى من العُمر فليتقرَّب إلى ربِّه بالتوبة الصادقة، وليُقبِل على عبادَة الله تعالى، فهو ربُّ الشهورِ وربُّ العبادِ، ولا يحول بين العبدِ وربِّه زمانٌ ولا مَكان، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه: 82]، وقال تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود: 112]، وقال تبارك وتعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [الزمر: 54].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكرِ الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الغنيِّ الحميد، ذي العرشِ المجيد، أحمد ربي وأشكرُه، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له فعَّالٌ لما يُريد، وأشهَد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمَّدًا عبده ورسوله أفضلُ مَن حقَّق التوحيد، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا أبدًا في مزيد.

أمّا بعد: فاتَّقوا الله تعالى بامتثالِ أمرِه الأكيد، واعلموا -عباد الله- أنَّ الشياطينَ في رمضانَ كانت عنكم مُصفَّدة، وبعدَ رمضانَ تتمكَّن في غيره ما لا تتمكَّن في رمضان، والشيطانُ خبيرٌ بطرُق الخير وفضائل الأعمال، يدعُو الإنسانَ بمكره وخِداعه أن يأتي بما يُضادّ الأعمالَ الصالحة أو يُنقِص ثوابها، ولكنَّ المسلمَ قويٌّ بتوكُّله على الله وإيمانه بوعد الله، والله قال: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء: 76].

فردُّوا الشيطانَ خائبًا حَسيرًا، فهو حريصٌ أن يأخذَ بثأره منكم ليجعلَ الأعمال هباءً منثورًا، واستدِيموا نِعَم العباداتِ عليكم في أيّام أعماركم كلِّها، قال الله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 99] يعني: الموت.

وقد تفَضَّل عليكم ربّكم سبحانه، فشرع لكم من النوافل ما هو من جِنس الفرائضِ؛ ليزداد المؤمنون من ثوابِ الله، فاشكروا الله على ما هدَاكم وشرَع لكم من طرُق هذا الدين ومِن أحكامه، فإنّه أعظمُ نعمةٍ أنعم الله بها على الإنسان، قال : ((من صامَ رمضانَ وأتْبعه ستًّا من شوال فكأنما صام الدهر كلَّه)) رواه مسلم. وشرع صيام أيّامٍ أخرى.

عباد الله، إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً