أمّا بعد: فاتَّقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظِّموا أمره ولا تعصوه، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].
عبادَ الله، في رحابِ الأسرة الهادِئة والعائلةِ المتماسكة تنمو الخِلال الطيِّبة، وتستحكِم التقاليد الشريفةُ، ويتكوَّن الرجال الذين يُؤتَمنون على أعظمِ الأمانات، وتتربى النِّساء اللائي يقُمن على أعرق البيوت، ولا غَروَ أن يهتمَّ الإسلام بأحوال الأسرة، وأن يتعهَّد نماءَها بالوصايا التي تجعَل امتدادَها خيرًا ونِعمة.
وفي كتاب الله تعالى وفي سنّةِ رسوله أوامر مؤكِّدة بين أفراد الأسرة كلِّهم من والد ووالدةٍ وذي رَحِم قريبٍ أو بعيد تُزجِي مسيرةَ الأسرةِ نحو البناء والسعادة؛ إذ أنَّ العناية بسلامةِ الأسرة هي وحدها طريقُ الأمان للجماعة كلِّها، وهيهات أن يصلحَ مجتمعٌ رثَّت فيه حبالُ الأسرة أو وهَت روابطها.
وقد نوَّه القرآن الكريم بجَلالِ النِّعمة السارية في أوصال هذه القطعةِ منَ المجتمع الكبير، فقال سبحانه: وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل: 72].
إنَّ الزوجين وما بينهما من علاقةٍ أو الوالدين وما يترعرَع في أحضانهما من بنين وبناتٍ لا يمثِّلان أنفسهما فحسب، بل يمثِّلان حاضرَ أمّةٍ ومستقبَلها؛ ومن ثمَّ فإنَّ الشيطان حين يفلِح في فكِّ روابط الأسرة لا يهدِم بيتًا واحدًا ولا يصنع شرًا محدودًا، إنما يوقع الأمّة جمعاء في شرٍّ بعيد المدى.
وتأمَّل هذا الحديث لتعرفَ أنّ فساد الأسرة قرّةُ عين الشيطان: عن جابر رضي الله عنه عن النبيّ أنه قال: ((إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهُم منهُ منزلةً أعظمُهم فتنة؛ يجيء أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجيءُ أحدُهم فيقول: ما تَركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأتِه، فيُدنِيه منه ويقول: نِعْمَ أنت، فيلتزمه)) رواه مسلم.
أيّها المسلمون، السّكنُ والطمأنينة في البيوت نعمةٌ لا يقدِّرها حقَّ قدرها إلا المشرَّدون الذين لا بيوتَ لهم ولا سكن ولا طمأنينة، والتذكير بالسكَن يمسّ المشاعر الغافلة عن قيمةِ هذه النعمة. نظرةُ الإسلام إلى البيت: وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا [النحل: 80]، هكذا يريد الإسلام البيت مكانًا للسكينة القلبية والاطمئنان النفسي، هكذا يريده مُريحًا تطمئنّ إليه النفس وتسكن وتأمَن، سواء بكفايته المادّية للسكنى والراحة، أو باطمئنان من فيه بعضهم لِبعض، وبسكَن مَن فيه كلّ إلى الآخَر، فليس البيتُ مكانًا للنزاع والشقاق والخِصام، إنما هو مَبيت وسكَن وأمن واطمئنان وسلام؛ ومِن ثمَّ يضمَن الإسلام للبيت حرمته ليضمن له أمنَه وسلامه واطمئنانه، فلا يدخله داخل إلا بعد استئذان، ولا يقتحِمه أحد بغير حقّ، ولا يتطلّع أحد على من فيه لسببٍ مِن الأسباب، ولا يتجسَّس أحد على أهله في غفلةٍ منهم أو غيبة؛ فيروِّع أمنهم ويخلّ بالسكن الذي يريده الإسلام للبيوت.
عبادَ الله، الأسرة هي المأوَى الطبيعيّ لكلا الجنسين والمستقرّ الوحيد الزكيّ لعلاقتهما، والحاجة الجسدية عاملٌ فطري وعاطِفة مساعدة في تكوين الأسرة، أمّا الأساس الكريم الراقي فهو الصّحبة القائمة على الودّ والإيناس والتآلُف، وهذا الأساس هو الذي نوَّه القرآن الكريم به عندما ذكَر قصَّة الخليقة: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف: 189]. وهذا السكنُ معناه الاستقرار واطمئنان المرء إلى أنه مع شَخص يزيد به ويستريح معه ويهدأ في كنفِه عند القلَق ويلتَمِس البشاشة معه عند الضيق.
وفَهمُ الزواج على أنه رِباط جسديّ وحسب سقوط في التفكير وسقوط في الشعور، إنَّ الأمرَ أعلى من ذلك وأكبر، وتدبَّر معي قولَ الله عزّ وجلّ: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21].
إنَّ الناس قد تُشغِلهم تلك الصّلةُ بين الرجل والمرأة، ولكنهم قلَّما يتذكرون يدَ الله التي خَلَقت لهم من أنفسِهم أزواجًا، وأودعت نفوسَهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلَت في تلك الصّلة سكنًا للنفس وراحةً للجسم والقلب واستقرارًا للحَياة والمعاش وأُنسًا للأرواح والضمائِر واطمئنانًا للرجُل والمرأة على السواء، لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، فيدركون حكمةَ الخالق سبحانه في خَلق كلٍّ منَ الجنسين على نحوٍ يجعله موافقا للآخر ملبِّيًا لحاجاته الفطرية، يجِد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكنَ والاكتفاء والمودَّة والرحمة حتى يحقِّقا الغايةَ العظمى: أن يتعاوَنا على طاعة الله حتى يَصِلا إلى الجنة.
لكنَّ بناءَ البيوت على هذه الحقيقة الروحيّةِ يحتاج إلى كثير من التثقيفِ والتأديب، أو بالتعبير الصحيح: يحتاج إلى الخُلُق والدين.
إنَّ العلاقات بين الزوجين عميقةُ الجذور بعيدة الآماد، إنها تشبِه من القوّة صلةَ المرء بنفسه؛ ومِن ثمَّ عُنِي الإسلام بالمحافظةِ عليها والارتفاعِ بجَوهرها وصيانة ظاهرها وباطنها، هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ [البقرة: 187]. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنَّ مِن أشرِّ الناسِ عندَ الله منزلةً يوم القيامة الرجُل يُفضِي إلى امرأتِه وتفضي إليه ثم ينشرُ سرَّها)) رواه مسلم، وقال : ((كلُّ ما يلهو به الرجلُ المسلمُ باطل إلا رَميَه بقوسِه وتأديبَه لفرسِه ومُلاعبَتهُ أهلَه، فإنهنَّ من الحقّ)) أخرجه الترمذي وابن ماجه. فانظر كيف عدَّ من الحق هذه الصلةَ الإنسانية الخاصّة بين الزوجين.
وقال : ((الدُّنيا متاع، وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصَّالحة)) رواه مسلم. وبهذا النُّصح أُفهِم الرّجلُ أنَّ من أفضل ما يستصحِبه في حياته ويستعين به على واجباتِه الزَّوجة اللطيفة العِشرة القويمة الخلق، أو التي وصفها في حديث آخر بقوله: ((التي تَسُرُّه إذا نظَر، وتطيعُه إذا أمَر، ولا تخالفُه في نفسِها ولا مالِه بما يكرَه)) رواه الترمذي.
إنَّ هذه الزوجةَ هي دِعامة البيت السعيد وركنه العتيد، وإنَّ رابطة هذه الأسرة تعلو في البقاء، فإذا انتهت هذه الدنيا وتركها أهلُها فرادى أو جماعات التَأَم شملُهم مرة أخرى هناك في الدار الآخرة، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [الرعد: 23]. وفي سبيل جَمعِ الشمل يلتحِق الأبناءُ المقصِّرون بآبائهم المجدّين، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ [الطور: 21].
أيّها المسلمون، ولن توجدَ بيئةٌ أزكى ولا أجدَى من الأسرة في تربية الأولاد، ففي ظلِّ الأمومةِ الحانية والأبوَّة الكادحة -وهما من أوثقِ وأعمق المشاعر الإنسانية- تتمّ كفالتُهم، وتتفتَّق براعمهم، وتستوي أعوادُهم، وتُرتَقب ثمارهم؛ لذلك كانت حماية الأسرة من أعظم الواجبات، وكان تمهيدُ الطريق أمامَها من أفضلِ القربات، وما اشتكتِ المجتمعات من أفراد سوءٍ إلا لنباتهم في أسرة متهالكة أو مشتَّتة في الغالب أو لا أسرة.
عبادَ الله، لقد جاءت توجيهاتُ الإسلام لبناء الأسَرِ البناءَ الصحيح منذ البداية، فأمَر الله بالزواج وحثّ عليه، وجعله من سنن المرسلين وهدي الصالحين، وأمر بتزويجِ البنات والبنين وإعانةِ من لا يقدر على الزواج، وحث على تيسيره وتسهيل طريقه، ونهى عن كلِّ ما يعوق تمامَه ويعكِّر صفوَه.
وفي الاختيار وجَّه لما فيه المصلحةُ التامة: الخلُق والدّين، وفي حرّيّة الاختيار: الاستئذان والاستئمار، فلا الرجلُ يُكرَه على أخذ من يكرَه، ولا الفتاة تُرغَم على قَبول من تُبغِض، وقرَّر الإسلام مبادئ وتعاليمَ تفصِّل حقَّ الرجلِ على المرأة وحقَّ المرأة على الرجل، قاعدتها: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19]، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228]. وهي تعاليمُ وفَّرت من الخيرِ للأسَر ما يملأ أرجاءَها بِرًّا وتقوى ووُدًّا وتعاوُنًا، وفيها ضمانات موثَّقة للحياة الزوجية واستقرارِها، وضماناتٌ أعظم لتسعَد الحياة وينبُت الأولاد نباتًا حسنًا وينالُوا من حظوظ الصحّة النفسية ما يجعلهم أصلَحَ بالا وأسعَد حالًا، وجعلَت على كلّ واحد من الزوجين تكاليفَ تناسبه ومسؤوليات توائِمه، عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّ النبي قال: ((ألا كلُّكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، فالأميرُ الذي على الناس راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِه وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلِها وولدِه وهي مسؤولةٌ عنهم، والعبدُ راعٍ على مالِ سيدِه وهو مسؤولٌ عنه، ألا فكلكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيتِه)) رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا صَلَّت المرأةُ خمسَها وحصَّنتْ فرجَها وأطاعَتْ بعْلَها دخلتْ من أيّ أبوابِ الجنةِ شاءتْ)) رواه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه.
وحُسنُ الخلق في الأسرَة من أمارات الإيمان، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((إنَّ مِن أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلُقا وألطفُهم بأهله)) رواه الترمذي، وقال : ((خيرُكمْ خيرُكمْ لأهلِه، وأنا خيرُكُم لأهلي)) رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح، وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت: يا رسولَ الله، ما حقُّ زوجةِ أحدِنا عليه؟ قال: ((أنْ تطعمها إذا طعِمت، وتكسوها إذا اكتسيْت –أو: اكتسبت-، ولا تضرِب الوجْهَ ولا تُقبِّح، ولا تهجُر إلا في البيت)) رواه أبو داود.
أيّها المسلمون، معرفةُ كلٍّ من الزوجين بما له من حقوقٍ وما عليه من واجباتٍ والقيامُ بذلك واحترامُ الطرف الآخر واحترام المواقع والمسؤوليات باب التفاهم والرِّضا وسبَبٌ للاستقرار والنجاح، فالرجل في شريعة الله ربُّ البيت وقيِّم الأسرة، وهذه ميزةُ تكليف أكثَر مما هي تشريف، والغرضُ منها أن يسيرَ البيت وفقَ نظام سائِد، لا وفق مآرب متدافعة ورغبات متنازَعة، ومن العبَث أن تكونَ أيّ شركة من غير رئاسة مسؤولة، وترك زمامِ البيت في يد المرأة وضعٌ للأمور في غير نصابها أو هو تحميلُ العبء للكاهل الضعيف، والرجلُ أجدر من امرأتِه بحقّ إدارة البيت ورئاسة الأسرة، فإنَّ ما برأه الله عليه من احتمالٍ وصلابة ومقدرة واسعَة على الكسبِ والنفقة ومدافعة أمواج الحياة، كلّ ذلك يجعله أولى بالترجيح: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: 34].
والقوامةُ ليست تسلّطًا ولا تعسُّفًا ولا ظلمًا أو ترفُّعا، بل هي الرّعاية والحفظ والقيامُ بالمصالح وتحمّل المسؤولية، وإنَّ الدعوة إلى عكس ذلك بدعوى المساواة أو الحرية هو قَلبٌ للفطرة ومعاكسة للطبيعة.
عبادَ الله، ولما كانت نفقاتُ البيت من أهمّ ما يواجه الزوجان ومن أشدّ ما يُعنِت الرجلَ لأنه هو الذي يحمل العِبء، وربما كان لاختلاف الآراء فيما يُجلَب ويترك أثر سيّئ في نفسه وفي أهله بيَّن النبي أنّ النفقةَ التي لا بدَّ منها للبيت والتي يَسعَد البيت ببذلها ليسَت من المستهلَكات الضائعة، بل هي من الصدقات الباقية، فقال: ((دينارٌ أنفقته في سبيلِ الله، ودينارٌ أنفقتَه في رقَبة، ودينارٌ تصدَّقْت به على مِسكين، ودينارٌ أنفقْته على أهلِك، أعظمُها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلِك)) رواه مسلم.
وهذا توجيهٌ يستحقّ التأمل؛ فإنَّ من الناس من يضيِّع مصالح أهلِه أو يسيءُ تقديرَها أو يمتنِع عن سدِّ ثغورِها، ومِنَ النساء من تبالِغ في إرهاق زوجِها، والجدلُ حولَ نفقات البيوتِ يكاد لا ينقطع، والمطالب التي تعرض وترفَض كثيرة. وفي بيت النبي -وهو أشرف البيوت- حصل نقاشٌ وجدال حولَ هذا، والإسلام يكرَه أن تكونَ أمورُ النفقة سببًا في تعريض الأسرةِ كلِّها للمتاعب وتهديد مستقبلها، يقول الله عز وجل: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق: 7].
وهذا الأمر الإلهي جاءَ بعدَ جُملةٍ من الأوامر التي توصِي بحسن الخلُق وتُمسِّك بعروة التقوى، وهي أوامر عُرِضت في سياق ما يمرّ بالبيوت من منازعات وما يُخاف على حبالها من انقطاع، فبعد أن قال سبحانه: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ قال سبحانه: ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق: 2، 3]، وقال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرا [الطلاق: 4]، وقال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق: 5].
إذًا عمادُ سعادة البيوت التقوى ثم التقوى ثم التقوى؛ وهذا يفسِّر لك أيضًا سرَّ افتتاح سورة النساء بالأمر بالتقوى.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
|