.

اليوم م الموافق ‏09/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

حرمة أذية المسلمين

6226

الرقاق والأخلاق والآداب

الكبائر والمعاصي

صالح بن محمد آل طالب

مكة المكرمة

16/5/1431

المسجد الحرام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حرمة المسلم. 2- حماية الشريعة لجناب المسلم. 3- عظم ذنب الاعتداء على المسلم. 4- تحريم مضايقة المسلم في مشاعره. 5- من صور أذى المسلم. 6- انتصاف المظلوم من الظالم يوم القيامة. 7- التحذير من ظلم القرابة. 8- عظم جرم أذية جماعة المسلمين. 9- التحذير من استغلال حاجة الضعفاء.

الخطبة الأولى

أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أنَّكم غدًا بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزِيّون، وعلى كَسبكم محاسَبون، وأن المصيرَ إلى جنة أو نار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].

عبادَ الله، إنَّ للمسلم عندَ الله حرمةً وقدرًا، ولجنابه احترامًا وحمايةً وخطَرا، وقد قال النبيُّ : ((لَزَوالُ الدُّنيَا أهونُ عندَ اللهِ مِنْ إِراقةِ دمِ مسْلِم)) حديث صحيح أخرجه الترمذيّ والنسائيّ وابن ماجه وهذا لفظ البيهقيّ.

ولقد جاءتِ الشريعةُ بالآداب والتوجيهات والأحكامِ والحدود التي تعظِّم الحرماتِ وتحمِي جنابَ المسلم أن يُمَسّ بأدنى أذى ولو كان لمشاعِره وأحاسيسِه، وقرَّر الإسلامُ الأخوّةَ مبدأً يستوجِب الإحسانَ وينفي الأذى مهما كانت صُورُه وأشكاله، قال الله عزّ وجلّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]، وقال النبيّ : ((لا تَحاسَدُوا ولا تناجشُوا ولا تباغَضوا، ولا يبِعْ بعضُكُمْ على بيعِ بعْض، وكُونوا عبادَ الله إخوانًا، المسلمُ أخو المسْلم؛ لا يظلمهُ ولا يحقِره ولا يَخْذُلُه، التقوى هَا هُنا -وأشارَ بيدِه إلى صدرِهِ ثلاثا-، بِحسْبِ امرئٍ منَ الشرِّ أنْ يحقرَ أخاهُ المسلِم، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرَامٌ دمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ)) رواه مسلم، وقال : ((لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه)) متّفق عليه. بل كانت حجّةُ الوَداع إعلانًا لحقوقِ المسلمِ وإشهارًا لمبدَأ كرامتِه وتعظيمِ حرمتِه وقدره عند الله وتحريم أذيَّته بأيِّ وجهٍ من الوجوه في ميثاقٍ تاريخيٍّ نودِي به في أعظم محفَل.

أيّها المسلمون، إنَّ انتهاك هذه الحرمةِ التي عظَّمها الله والتعدِّي على المسلمين بأذيَّتهم لمن أعظم الذنوب والآثام، وقد قال الله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب: 58].

وتزدادُ الجريمةُ إثمًا إن كانت الأذيّة للصالحين والأخيار من المؤمنين، وفي الحديثِ القدسيّ: ((يقول الله عزّ وجلّ: مَنْ عَادَ لي وليًّا فقدْ آذنتُهُ بالحرْب)) رواه البخاري. فمَن المخذول الذي يتصدى لحربِ الله وقد قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج: 38]؟! وعلى قدر إيمانِ العبدِ يكون دفاعُ الله تعالى عنه، وإذا ارتَقى العبدُ في الإيمان إلى مقامِ الولاية تأذَّن الله بالحربِ لمن عاداه.

وقد يكون المسلمُ الضعيفُ المغمورُ وليًّا لله وأنت لا تَدري؛ فاحذَر من أذيّة من تولى الله الدفاعَ عنهم، قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا أي: ينسِبون إليهم ما هم بُرَآء منه لم يعمَلوه ولم يفعلوه، فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا، وهذا هو البهت البيِّن أن يحكيَ أو ينقلَ عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العَيب والتنقُّص لهم".

عبادَ الله، لقد بلغتِ الشريعة أن حرَّمت ما يؤدِّي إلى مضايقةِ المسلم في مشاعره، فقال النبيُّ : ((إذا كُنْتمْ ثلاثَة فَلا يتنَاجَى اثنانِ دونَ صاحبِهِمَا؛ فإنَّ ذلكَ يُحْزِنُه))، وفي رواية: ((فإنَّ ذلكَ يُؤذِي المؤمِن، والله يكْرَهُ أذَى المؤمِن)) أخرجه الترمذي وقال: "حديث صحيح".

بل وصل الأمرُ إلى الجزاءِ بالجنّة لمن أزال شوكةً عن طريق المسلمين، قال : ((مر َّرجلٌ بغصنِ شَجرةٍ على ظهرِ طريق، فقال: واللهِ لَأُنحيَنَّ هذا عنِ المسلمِين لا يؤذِيهِم، فأُدخِلَ الجنَّة)) رواه مسلم.

فانظر ثوابَ من كفَّ عن المسلمين أذى وإن كان يسيرا، وإن لم يتسبب فيه. إنَّ مجرَّد كفِّ الأذى لَهُو معروفٌ وإحسان يُثاب عليه المسلم، قال : ((تكفُّ شرَّكَ عنِ الناسِ فإنها صدقةٌ منكَ على نفسِك)) رواه مسلم، ولما سئل النبي : أيُّ المسلمين خَير؟ قال: ((مَنْ سَلِمَ المسلِمُونَ مِنْ لسانِهِ ويدِه)) متّفق عليه، وفي رواية: ((المسلمُ مَنْ سلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه)).

قال ابن حجر رحمه الله: "فيقتَضي حصر المسلم فيمن سلِم المسلمون من لسانه ويده، والمرادُ بذلك المسلم الكامِل الإسلام، فمن لم يسلَم المسلمون من لِسانه ويدِه فإنّه ينتفي عنه كمالُ الإسلام الواجب؛ إذ سلامةُ المسلمين من لسانِ العبد ويدِه واجبة، وأذَى المسلم حرامٌ باللسان واليد".

عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه عن النبي أنّه قال: ((إياكمْ والجلوسُ في الطُّرقاتِ))، فقالوا: يا رسولَ الله، ما لنا بدٌّ في مجالِسِنا نتحدَّثُ فيها! فقال عليه الصلاة والسلام: ((إذا أبيتُمْ إلا المجلِسَ فأَعطُوا الطريقَ حقَّه))، قالُوا: ومَا حقُّ الطريقِ يا رسولَ الله؟! قال: ((غضُّ البصر، وكفُّ الأذَى، وردُّ السَّلام، والأمْرُ بالمعرُوفِ، والنَّهي عن المنكر)) متفق عليه.

فمِن صوَر الأذى: مضايقةُ المسلمين في طرُقاتهم وأماكِنهم العامّة ورميُ النفايات فيها بلا مبالاةٍ ولا احترام، يقول النبيّ : ((اتقُوا اللعَّانَين))، قالوا: وما اللعَّانانِ يا رسولَ الله؟ قال: ((الذي يتخلَّى في طريقِ الناسِ أو في ظلِّهِم)) رواه مسلم، ولفظ رواية أبو داود: ((اتقُوا اللاعِنَين)).

وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأنَّ إماطةَ الأذى عن الطريق صدقةٌ، وأنها من شُعَب الإيمان، كما أخرج الطبرانيّ وغيره بسند صحيح أن النبيَّ قال: ((مَنْ آذَى المسلمين في طُرقِهِمْ وجَبَتْ عليه لعْنتُهم)). ومن قواعد الإسلام العظام قولُ النبي : ((لا ضَرَرَ ولا ضِرَار)) أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه.

بل حتى مَن كان له قَصد صحيحٌ فإنّه لا يجوز له إن كان سيؤذِي المسلمين، وقد جاءَ رجل يتخطَّى رقاب الناس يومَ الجمعة والنبيُّ يخطُب، فقال عليه الصلاة والسلام له: ((اجلِسْ فقد آذيْت)) رواه أبو داود وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان.

وعن جابر بنِ عبد الله رضي الله عنه عن النبيِّ قال: ((مَنْ أكلَ البصَلَ والثومَ والكُرّاث فلا يقربنَّ مسجدَنا؛ فإنَّ الملائكةَ تتَأذَّى مما يتأذَّى منه بنُو آدم)) أخرجَه مسلم، فدلَّ على منعِ أذيّة المؤمنين ولو لم تكن متعمَّدة، ولو كانت لغرضٍ مشروع، فيكفَ بالأذى المتعمَّد في موافقةِ هوى النّفس وشهوتها؟!

أيّها المسلمون، إنَّ للأذية صورًا لا تكاد تتناهَى، وعلى المسلم أن يتجنَّبها جميعًا، خاصة ما ورد النصّ عليه تنبيهًا لخطره وتعظيمًا لأثره، كما ورد في الغيبة والنميمة وأذيّة الجيران والخدم والضعفاء، قال : ((مَنْ ظلمَ معاهَدًا أو انتقصَه أو كلَّفهُ فوقَ طاقتِه أو أخذَ منه شيئًا بغير طيبِ نفسِه فَأنا حجِيجُهُ يومَ القيامة)) رواه أبو داود بإسناد صحيح.

فإذا كان هذا في ظلمِ المعاهَدِين فكيف بمن ظلم إخوانه المؤمنين؟! عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قِيلَ: يا رسولَ الله، إنّ فلانةً تصلِّي الليلَ وتصومُ النَّهارَ وتؤذِي جيرانَها بلِسانِها، فقال: ((لا خيْرَ فيها، هي في النَّار)) أخرجه الإمام أحمد والبخاريّ في الأدب المفرد وصحّحه الحاكم وابن حبّان، وقال : ((مَنْ كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يؤذِ جارَه)) متّفق عليه.

فمِن الإيذاءِ السِّباب والشّتام والغيبة والنميمةُ والقَدح في الأعراض، والله تعالى يقول: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور: 15].

عن ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: صعِدَ النبيُّ المنبرَ فنادَى بصوتٍ رفِيع، فقال: ((يا معشرَ مَنْ أسلَمَ بلسانِهِ ولمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلبِه، لا تُؤذُوا المسلمِينَ ولا تُعيِّرُوهُمْ ولا تتَّبِعُوا عورَاتِهِم؛ فإنَّه مَنْ تتبَّعَ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبَّعَ اللهُ عورتَه، ومنْ تتبَّعَ الله عورتَه يفضَحْهُ ولو في جوفِ رَحلِه)). قال: ونظر ابن عمرَ يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: (ما أعظمَك! وما أعظم حرمتَك! والمؤمنُ أعظم حرمةً منكِ) رواه الترمذيّ بإسناد صحيح.

بل ورد في صحيحِ مسلمٍ من حديث عائذ بن عمرو رضي الله عنه: أنّ من أغضَب مسلمًا فقد أغضب ربَّه، وأنه على خطر من عقوبتِه وانتقامِه حتى وإن كان المؤذِي من أفاضلِ الناس وخيارِهم.

أيّها المسلمون، احذَروا أذيّةَ المؤمنين والإساءةَ إلى الناسِ أجمعين، إلا بحقٍّ ظاهرٍ قام عليه الدليل البيِّن السالم من المعارض من الكتابِ والسنّة والمأثورِ عن السلفِ الصالح من هذه الأمّة؛ ليكون لكم برهانًا قاطعًا وحجةً دافعة حين تختصمون إلى ربكم فتؤدَّى الحقوق إلى أهلها.

إنَّ أذيةَ المؤمن ظلم، ودعوة المظلومٍ ليس بينها وبين الله حِجاب، والصبرُ على أذى الخلق أفضلُ من الدعاء عليهم، وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ [النحل: 126].

وإنَّ من الأذى ما لا تكفِّره الصلاةُ ولا الصدقةُ ولا الصومُ، بل لا يُغفَر للظالم حتى يَغفِر له المظلومُ، وهيهات أن يعفوَ المظلومُ يومَ تتطاير الصحُف وتعزّ الحسنات! قال رسول الله : ((أتدرونَ مَنْ المفلِس؟)) قالوا: المفلسُ فينا مَنْ لا درهمَ لهُ ولا متاع، فقال: ((إنَّ المفلسَ مِنْ أمّتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاة، ويأتي وقد شتمَ هذا وقذفَ هذا وأكلَ مالَ هذا وسفكَ دمَ هذا وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناتِهِ وهذا من حسناته، فإن فنِيَتْ حسناتُهُ قبلَ أنْ يُقضَى ما عليه أُخذَ منْ خطاياهُم فطُرِحَتْ عليه ثُمَّ طُرِحَ في النار)) رواه مسلم.

ويعظُمُ الإيذاءُ ويتضاعف الإثم وتشتدّ العقوبة كلّما عظُمت حرمةُ الشخص أو الزمان أو المكان أو المناسَبة، ولئن كان الاستهزاءُ بالناس أذيّةً وبليّة فإنّ الاستهزاءَ بالصالحين والعُبَّادِ والمحتسِبين أشدُّ إثما وأكثر خطرًا، وهذا الهمز واللمزُ هو أوّل سلاحٍ أُشهِر أمامَ الأنبياء والرسل.

ولئن لم يخْلُ عَصرٌ أو مَصرٌ منْ هذه الخطيئة فإنه يعظُم الأسفُ ويشتدّ حين يكون شاهِرا ظاهرًا مُعلَنًا غير منكَر؛ إذ استباحةُ حرمِ حَمَلَة العلم والدين وجعل انتقاصِهم ديدنًا هو أمرٌ لم يحدث في بلادِ الإسلام إلا أخيرًا، وسيبقى الدينُ محترمًا ما دام أهلُه [محتَرمين]، وإذا تسلَّط عليهم مَن دونَهم في العِلم والدّيانة فإنّ ذلك نذيرُ نقصٍ وفتنة.

أيّها المؤمنون، وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة، وقد أوصَى النبيّ بالنساءِ في خطبةِ الوداع، كما وصَّى بهن وهو على فراش الموت. فويل لمن آذى وصيّةَ النبيّ وظلَم النساءَ، وويل لمن آذَت زوجَها؛ فإنَّ الملائكة تلعنها. إنَّ أذيةَ أحدِ الزوجين للآخَر من أقبحِ صوَر الأذى. كما أنَّ تسلّط الرؤساءِ بالأذى على مرؤوسيهم وهضمَ حقوق العمّال وتأخير مصالح الناس في أيّ مجال هو داخلٌ في الوعيدِ الشديد بقول العزيز المجيد: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب: 58].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة. أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له الملك الحقّ المبين، وأشهد أنَّ محمَّدا عبده ورسوله الصادِق الأمين، صلّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أمّا بعدُ: أيّها المسلمون، فإذا كان إيذاءُ المسلمين ببعضِ الأمثلة التي مضت يُعَدّ كبيرةً من الكبائر وجريمةً من المحرّمات فما بالكم بألوانٍ من الأذى يتضرَّر منه ملايين المسلِمين ويقع بلاؤه على مجموع الأمة؟!

فإنّ الأذية كلّما انتشرت دائرتها وتوسَّعت كان إثم مرتكِبها أعظمَ وعقوبته أشدَّ، وإذا كانت اللعنةُ تحِقّ على من يتخلّى في طرق المسلمين وظلِّهم ويؤذيهم في طرُقاتهم وهو لا يتعدَّى أفرادًا معدودين فكيف بالذين يؤذون المؤمنين في دينهم وعَقيدتهم وتصوّراتهم ويؤذون ألوف المسلمين؟!

إنّه أذًى للهِ ورسوله كما قال الله تعالى في الحديث القدسي المتفق عليه: ((يؤذيني ابنُ آدم))، وفي القرآن المجيد: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا [الأحزاب: 57].

كما أنَّ من أذيّة المسلمين خلطَ الحقائق وتلبيس الوقائعِ وتسميم الثقافة والوعي، وقل مثلَ ذلك في مجال القيَم والأخلاق والسلوك.

كم يتأذَّى عمومُ الناس بما يُعرَض من مقروءٍ ومشاهَد ممّا يصادِم الذوقَ العام، كما يصادم الفضيلةَ والفطرة، فضلا عن أصول الشريعة ومبادِئها، أليس كل هذا أذيةً للمسلمين [وتحدّيًا] ظاهر لدينهم ومشاعرِهم؟! حتى أصبح من يريد الحفاظَ على نفسِه وأسرتِه من الوقوعِ في الانحرافِ يعاني الكثيرَ والكثيرَ.

عبادَ الله، صورةٌ أخرى من صوَر الأذى، وهو استغلالُ حاجةِ الناسِ وفَقرهم والتحايُل على الرّبا الذي غطى بسحابتِه السوداء بلادَ المسلمين وضرَب بأطنابه في تعاملاتهم ظلمًا وعدوانا، حتى دخل على من لا يريدُه في عقر داره ولو أن يصلَه غبارُه، ابتداءً من المصارف والبنوك، وانتهاءً بتجّار التقسيط، حتى تكاثرت الديون وتضاعف العِوَز، مع قلّة استفادة المَدين وانعدامِ بركةِ المال.

إنَّ على أصحابِ المال والاقتصادِ أن يتّقوا الله فيما بين أيدِيهم، فغدًا –والله- سوف يُسألون. واستطرادًا في ذلك حبَّذا لو توسَّعت الدولةُ في بنوكِ التّسليف الرفيقَة بالإقراضِ الحسَن؛ لعلَّ الربا وأشباهَ الربا يقلّ في المجتمعات المسلمَة، ونعودُ لنكثِر بركةَ المال.

وثمةَ جانبٌ من جوانبِ الإيذاءِ العامّ في مجالِ المال والاقتصاد، والذي يمارسه بعض التجّار وأصحاب المصالح من الاحتكارِ ورفعِ الأسعارِ والتضييقِ على المسلمين في أرزاقهم ومعاشِهم، حتى أعمى الجشعُ بصائرَهم وخدّر الطمع مشاعرَهم.

إن التجارةَ باب كريمٌ للرزق، لكن ذلك لا يعني الاتِّكاءَ على الضعيفِ لاستنزافِ آخرِ قطرةٍ من دمِه، وأسوأُ من ذلك استدراجُه بالديون وتحميلُه ما لا يحتمل، فلنستحضِر دومًا قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب: 58].

هذا، وصلّوا وسلِّموا على خيرِ البريَّة وأزكى البشريَّة محمّد بن عبد الله الهاشميّ القرشيّ...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً