لعل وقع كلمة التحرش على الآذان ثقيل لدرجة أن يستبعدها بعض الآباء أو يعتقدوا أن أبناءهم بعيدون عنها، كما قد تسبب تلك الكلمة الثقيلة الحرجَ للوالدين؛ الأمر الذي يمنع السؤال عما يخص الحماية وتوعية الأبناء ضد التحرش، بل قد يمنع الآباء من الاقتراب من مثل هذه الموضوعات والمسميات ثقيلة الوقع مع الأبناء، لكن على كل حال فتلك الكلمة رغم ثقل وقعها تفرض نفسها على واقعنا، فقد ذكرت إحدى الكاتبات أن دراسة أعدت قد كشفت أن نسبة التحرش الجنسي بالأطفال في مجتمعنا مرتفعة؛ إذ يتعرض طفل من بين أربعة أطفال لهذا الاعتداء أو التحرش؛ مما يستلزم من الجميع وقفة جادة لإيجاد الترتيب ومن ثم إعداد العدة لحماية أبنائنا من ذلك الخطر عملا بقوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].
وهنا قد يقول قائل: ما هو التحرش الجنسي بالأولاد؟ فنقول وبالله التوفيق: التحرش الجنسي هو كل إثارة يتعرض لها الطفل أو الطفلة عن عمد، وذلك بتعرضه للمشاهد الفاضحة أو الصور الجنسية أو العارية أو غير ذلك من مثيرات، كتعمد ملامسة أعضائه التناسلية أو حثه على لمس أعضاء شخص آخر أو تعليمه عادات سيئة كالاستمناء، وأحيانا يصل الأمر إلى الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي الكامل، إضافة إلى الأنواع الحديثة في أساليب التحرش الجنسي والتي منها تناقل صور الأطفال عبر شبكة الإنترنت أو استمالة الأطفال لرؤية المواقع الإباحية.
وقد ألقت الشرطة في إحدى المدن قريبا القبض على مواطن في الثلاثين قام بشراء موقع إباحي على شبكة الإنترنت بهدف التحرش بالذكور القصّر، وصدق الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور: 19].
أيها الإخوة المؤمنون، من الأطفال الذين يتعرضون للتحرش؟ يقول الدكتور علي الزهراني وهو يحمل رسالة الدكتوراه في الاضطرابات النفسية الناتجة عن سوء معاملة الأطفال، يقول: "أظهرت الدراسات الغربية أن أغلب الأطفال الذي يتعرضون للتحرش هم دون سنة الخامسة، بينما الدراسات العربية ومن ضمنها دراسة قامت بها الجهات المختصة في المملكة تشير إلى أن الأعمار بين 6 إلى 12 عاما هي الفئة العمرية التي غالبا ما تتعرض لخطورة التحرش الجنسي، وأظهرت الدراسة أيضا أن الأعمار ما بين 13 و18 عاما تعد أيضا معرضة لهذا الخطر، متى توافرت لدى إحدى هذه الفئات الجاذبية أو الخجل أو ضعف الشخصية أو البنية الجسمانية، كذلك الثقة المفرطة لدى الأهل في السماح لأبنائهم بالخروج مع الأصدقاء للاستراحات أو المقاهي أو الشاليهات أو المنتجعات، دون حسيب أو رقيب".
أما بالنسبة لأصناف المتحرشين فمن أكثر الفئات خطرا أولئك المنحرفون المهووسون جنسيا بالأطفال، والذين يتسكعون في الأماكن التي يسهل فيها الاحتكاك بالأطفال مثل أماكن لعب الأطفال المعزولة، وهؤلاء في العادة يستدرجون الطفلة أو الطفل ويتحرشون به جنسيا في دورات المياه أو درج العمارات وخصوصا الأدوار العليا منها وأسطح المباني وفي الأماكن المظلمة أو في أي خلوة متاحة لهم، وهؤلاء عادة يفضلون الأولاد كخيار أول، أما غالبية المتحرشين فهم من الخدم والمربين والسائقين والمعلمين والمعلمات وعمال البقالات والحلاقين، بالإضافة إلى الأصدقاء والأقارب وخاصة المراهقين، والأخطر أبناء الإخوة، والخلاصة أن 85 بالمائة من المتحرشين جنسيا هم من المعروفين لدى الضحية.
ونحن هنا لا نريد التشكيك في كل أحد، ولا نريد أن نظن الظن السيئ بالنسبة للأصناف المذكورة سابقا؛ لأن غالبيتهم -ولله الحمد- على خير وإلى خير، هكذا نحسبهم ولا نزكي على الله أحدا، إنما نقصد قليلي الدين وأهل الفتن والفساد منهم، وهم قليل، لكن يجب الحذر منهم، فقد حذر رسول الله من أمثال هؤلاء الذين لا يؤمنون بقوله: ((ألا أخبركم بخيركم من شركم؟ خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره)).
أما وسائل التحرش الجنسي فتكون إما بالإغراء بواسطة تقديم الهدايا أو الحلوى والنقود، أو بواسطة تعليم قيادة السيارات وبالذات السيارات الرياضية الفاخرة التي تجذب انتباه الأطفال أو المراهقين، أو استغلال حاجة الطفل أو المراهق لأي شيء، أو تكوين علاقة حميمة مع الطفل أو المراهق لكسب ثقته وربما ثقة الوالدين أيضا، ثم يبدأ المتحرش بعد ذلك في تنفيذ مخططه ورغباته لا سيما في غياب الثقافة الجنسية لدى الطفل أو المراهق، وإذا فشلت الأساليب السابقة للمتحرش في الإيقاع بالضحية فربما يلجأ للخيار الأخير لديه وهو التهديد بالقوة إلى درجة التهديد بالقتل وإيقاع الأذى بالضحية.
أيها الإخوة، متى وكيف يمكن أن يتعرض الطفل للتحرش؟
في سن الطفل أو الطفلة الصغيرة من 2 إلى 5 سنوات قد يقع الطفل أو الطفلة في براثين المتحرشين في أوقات انفرادهم به في أي فرصة ولو قصرت، ووقوعه تحت التهديد أو الإغواء مع عدم توعيته من قبل الوالدين وغياب الأمر عن أذهانهم قد يسمح بتكرار الأمر دون أدنى علم من والدي الطفل أو الطفلة.
أما في العمر من 6 إلى 12 عاما فتساهم نفس العوامل السابقة في تيسير الأمر على المتحرش، وقد يساهم الطفل في تهيئة المناخ الملائم للتحرش بتتبعه لفترات غياب الوالدين أو انشغالهما لمشاهدة صور ما أو مشاهد أو محاكاة شيء علمه له أحد أصدقائه أو النظر إلى مشاهد جنسية في الفضائيات في غياب الوالدين، فيقوم بمحاكاتها فور أن تسنح له الفرصة.
وهناك أسباب كثيرة لوقوع الأولاد في التحرش الجنسي، منها أخطاء الوالدين كمداعبة الزوجين أحدهما للآخر، أو ممارسة الحق الزوجي أمام الأبناء، أو تجاهل الصغار منهم بدعوى أنهم لا يفهمون، وهذا خطأ؛ لأن هذه المناظر تترك أثرا في نفس الطفل أو الطفلة، وتدفع الطفل إلى تقليد هذه الحركات عند أول فرصة سانحة له، وقد أخبرني أحد الإخوة أنه شاهد بلوتوثا لطفلة صغيرة لا تتجاوز العامين وهي تقوم بحركات جنسية رأتها لوالديها.
ومن الأسباب: مداعبة الأبناء في الأماكن الحساسة، وقد يفرح الأب أو الأم بنمو حجم الأعضاء التناسلية عند أولادهم، فيداعبونهم ويظنون أن هذا الأمر مفرح للطفل، في حين قد يتحول ذلك إلى إدمان مع طول المدة.
ومنها تبديل الملابس مع الآخرين، وبعض الأمهات قد تهمل تبديل ملابس أطفالها في مكان خاص، فتقوم بذلك أمام الآخرين، ومع الوقت يتعود الأبناء على خلع ملابسهم أمام الآخرين؛ مما يفقدهم الغيرة على أنفسهم أو الخجل من الظهور أمام أخواتهن أو إخوانهم بهذه الصورة.
ومن الأسباب: غياب البدائل التربوية، فمن الخطأ عدم توفير بدائل تربوية لإشباع الحاجة العاطفية للطفل أو الطفلة كالتقبيل والاحتضان والتعاطف معه عند الحزن أو الشعور بالقلق والفرح والتهدئة عند الغضب, وهذا أمر خطير لأن الطفل المحروم من العاطفة قد يلجأ للبحث عن هذه العاطفة خارج المنزل؛ مما قد يوقعه فريسة للتحرش الجنسي من قبل الآخرين.
ومنها: نشأة الأولاد على الدلال والميوعة، وهذا مناف للنصوص القرآنية والنبوية، قال تعالى عن الكفار مبينا أسباب تكذيبهم: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ [الواقعة: 45]، وقال رسول الله لأبي بكر وعمر بعد أن تناولوا طعام الغداء أو العشاء عند أحد الصحابة: ((والذي نفسي بيده، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة)). والملاحظ أن بعض الأولاد يعيشون في درجة من الترف إلى حد الإسراف والملل؛ مما يصيبهم بالدعة والميوعة والدلال؛ مما ينتج عنه آثار سيئة على نفسياتهم في مستقبل الأيام.
ومنها: ترك الأولاد للخدم والاعتقاد بأن ذلك كاف في القيام بواجباتهم، وقد أكدت دراسة لمكتب التربية العربي لدول الخليج أن ظاهرة الخدم والمربيات خلفت وراءها كثيرا من أصناف الخطر في شتى الميادين، لا سيما الاعتقادية والثقافية.
ومنها: جهل الآباء والأمهات بما هو مسموح وما هو ممنوع، وما المباح وما المحرم، وما المقبول وما المرفوض، وما هو اللباس الرجولي وما هو اللباس النسوي، وبخاصة في هذا الزمان الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، فصرنا نرى أطفالا ذكورا يلبسون ملابس البنات، فيزيدهم ذلك جمالا على جمالهم، وصرنا نرى بنات صغارًا ولكن قد يكون لهن أجسام كبيرة نوعا ما، فيلبسن الضيّق والعاري؛ مما يغري ضعفاء النفوس بالتحرش بهنّ.
ومن الأسباب: ضعف الرقابة من الأهل مع وجود الفضائيات والإنترنت ووسائل التقنية ومقاطع البلوتوث، وللأسف فقد أصبحت هذه المواد في متناول الصغير قبل الكبير، والمشكلة في عقول أبنائنا الصغيرة التي لا تستوعب حرمة ما يشاهدون.
ومنها: عدم الوعي الثقافي والتربوي منذ الصغر، وخجل الأبوين من الإجابة على تساؤلات الأبناء، ووجود فجوة بين الأهل والأبناء تمنع الحوار الدائم، فمشكلة مجتمعنا الخلط بين الحياء والعيب، والأغلبية لا تستطيع أن تناقش الأهل في شكواهم، وبعض الأبناء يخشى من عقاب أهله فلا يقوم بالشكوى.
ومن الأسباب: التفكك الأسري وفقدان الحنان بسبب قسوة الوالدين وتسلطهما.
ومن الأسباب: الانفلات والانحلال الأخلاقي للوالدين، وبالطبع سينعكس ذلك على الأبناء فينشؤون على الانفلات والتحرر.
وهناك أسباب أخرى كعدم التفريق بين الأطفال في المضاجع، وعدم متابعة أولياء الأمور لأماكن تواجد أبنائهم ومصاحبة الأصدقاء السيئين وكبار السن، فلا يعقل أن يصاحب الطفل الصغير شابًا في سن المراهقة، ومنها الانتقام من الآخرين، ويقوم به الذين مورس بهم التحرش الجنسي في سن صغيرة، فيتجهون للانتقام من الآخرين، وهذا من الآثار السيئة على المتحرش.
ومن الأسباب: عدم متابعة ومراقبة ما يشاهده الأبناء في الفضائيات والمجلات والإنترنت، وللعلم كما يقول المتخصّصون: إن لحظة فظاعة وخلاعة تساوي ساعات من الأدب والاحترام، حيث إنها هي التي تعلق في الذهن وتدفع الأبناء إلى متابعتها بفعل قد يؤدي إلى التحرش الجنسي بالذات أو الآخرين، ونحن لا ندعي أن كل ما يعرض يعين على التحرش الجنسي، لكن نسبة كبيرة مما يعرض هي كذلك؛ لذا لا بد من معرفة كيفية التعامل مع هذه الوسائل الإعلامية المختلفة، وعدم ترك الحبل على الغارب للصغار في مشاهدة ما هبّ ودب؛ حماية لأخلاقهم وحفظا لعقولهم وخوفا عليهم مما يغضب الله سبحانه وتعالى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].
أقول ما تسمعون...
|