أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، والهجوا بحمده وشكره، فقد هداكم حين ضَّلَ غيرُكم، وعافاكم وقد ابتُلي سواكم، وأعطاكم وحُرِم أمثالُكم، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34].
أيها الناس، حين تُحشى العقول بسوء الأفكار، وتُملأ القلوب بالأحقاد، ويُرسَّخُ ذلك في شعائر ومراسم، وتضرب له أيام ومآتم؛ فإن من العسير جدًا صرف الأتباع عن قناعاتهم، أو حجزهم عما يضرهم، أو حمايتهم ممن يضلونهم بغير علم، ولو كان مذهبهم في بطلانه أوضح من الشمس في الظهيرة، ولو كان في شعائرهم ما تنفر منه الفطر وتستهجنه العقول؛ لأن القلوب حينئذ تعمى عن الحق ولو كان أصحابها مبصرين، فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46]. وكم من نصير للباطل بذل ماله وأهله ودمه في سبيل باطله وهو يعتقد أنه على الحق! وكم من تابع ضحّى في سبيل متبوعه يطلب السعادة فأورده دركات الشقاء! فنعوذ بالله تعالى من الضلال بعد الهدى، ومن الجهل بعد العلم، ونسأله الهداية أبدًا.
أيها الإخوة، كانت الفرق الباطنية في أمة الإسلام تضرب ستارًا من حديد على أتباعها، وتسخرهم تسخيرَ الآلة في يد الصانع، وتجعلهم مع أئمتهم كالميت يقلّبه المغسّل كيف شاء، لا حول له ولا قوة، ولا رأي له ولا اعتراض، فاستعبد أئمة الضلال أتباعهم، وأكلوا بالخمس أموالهم، واستحلوا بالمتعة أعراضهم، وسفكوا دماءهم نصرة لباطلهم، وكانت الإمامية الاثنا عشرية هي أعتى فرقة باطنية أقامت دولتها، وكثر أتباعها، وتحمس أئمتها لمذهبها، ونحت نحوًا فارسيًا شعوبيًا متطرفًا منذ أن قامت دولتهم الصفوية في القرن العاشر الهجري، وزاوجت بين الفكر الفارسي المجوسي المتعصب، وبين المذهب الباطني الرافضي المنحرف، وعلى مر السنين كان أئمة هذا المذهب يبدلون فيه ويحرفون للإبقاء عليه حتى عادت دولتهم من جديد بالثورة الخمينية التي كان شعارها الأهم: تصدير الثورة؛ للإطاحة بالزعامات العربية السنية للأمة الإسلامية، واستبدال الزعامة الفارسية الباطنية بها.
إن الثورة الخمينية انطلق زعيمها من فرنسا مهد الثورة الأوربية المشهورة على الإقطاع والكنيسة، وتأثرت في أدبياتها بمصطلح الثورة الدائمة في التراث الماركسي الاشتراكي، ومعناه: ثورة العمال والفقراء المستمرة ضد الأسياد الأغنياء، حتى تسود الاشتراكية أرجاء الأرض، فأراد ربان الثورة الخمينية أن تكون ثورتُهم ثورةَ المستضعفين من أتباع آل البيت ضد طغيان النواصب المستبدين ـ وهم عندهم من لا يوافق الرافضة الاثني عشرية في معتقداتهم ـ وهي ثورة مستمرة إلى أن يحققوا أهدافهم بحكم العالم الإسلامي وتهيئته لخروج مهديهم المنتظر؛ ولذا نجد أن شعائرهم ومراسمهم وأيامهم تمتلئ بترسيخ الأحزان وإثارة الأشجان واستدرار العيون بالدمع وتجريح الجسد لاستخراج الدم وتهييج المشاعر بالنياحة واللطم وتكثيف مناسبات الحزن.
ويرفد هذه الشعائر العملية الظاهرة كمٌّ هائل من النصوص الدينية والأدبية والخطب الرنانة والمماويل المحزنة والقصص المخترعة في عليّ وآله رضي الله عنهم وأرضاهم، تُصاغ وتُلقى بأساليب تجيش القلب وتستدر الدمع وتبعث على الحزن، ويحس حاضرها بالظلم والقهر، كما يحس مشاهدها بالرحمة لأولئك الثكلى وهم يبكون أئمتهم.
إن كثيرًا من الناس بعد الانفتاح الإعلامي وأثناء مشاهداتهم للشعائر البدعية عند الرافضة الإمامية يعجبون من تهيج مشاعر عوام الشيعة حتى يُدْمُوا بالسيوف والسكاكين رؤوسهم ورؤوس أطفالهم، ويلطموا بشدة على صدورهم، ويزحفوا في الرمضاء على بطونهم، ويبكوا بكاء شديدًا، فلماذا كل هذا؟! وماذا يريد أئمتهم بهذه الشعائر الشاذة الغريبة رغم ما يوجه لهم ولشعائرهم من انتقاد؟!
إن الهدف من وراء ذلك هو تصدير الثورة، وهو أساس من أساسات الدولة الخمينية، ولا ثورة بلا إحساس بالظلم والقهر، وهذه الشعائر والمآتم التي تتوّج بمأتم الحسين في عاشوراء هي لترسيخ الشعور بالظلم في الأتباع، وملء قلوبهم على أهل السنة بالأحقاد.
وهذا الإلحاح على تلك الشعائر حوّلها إلى دين ومعتقد ينعقد عليه قلب الكبير والصغير، والرجل والمرأة، والعالم والعامي، والسياسي والمثقف ورجل الشارع، ويُؤثِّمون من لا يشعر بهذا الشعور ولا يشارك في شعائرهم، ويستدلون على قبيح أفعالهم بقول الله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ [الحج: 32]. يقول أحدهم: فهل هناك شعيرة إلهية أعظم من البكاء والحزن على مصائب المعصومين عليهم السلام؟! واخترعوا أحاديث تجعل للمشارك في هذه الشعائر مليوني حجة ومليوني عمرة ومليوني غزوة، كلها مع النبي وأئمتهم.
ومنْ عَلِم ما يمثله تصدير الثورة من أهمية عندهم فلن يعجب من هذه الشعائر، ولا من الأجور المكذوبة فيها على الرعاع والعامة، يقول الهالك الخميني: "إننا سنصدر ثورتنا إلى كل العالم حتى يعلم الجميع لماذا قمنا بالثورة". ولكن هل هذه الثورة خاصة بإيران فقط؟ يوضح ذلك الخميني فيقول: "إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم".
ولكن حلمهم هذا فشل منذ بداياته في حرب الخليج الأولى، فتغيرت خطتهم من الثورة العسكرية إلى الثورة الثقافية؛ وذلك بتصدير المذهب عبر الثقافة والإعلام، وزرع العملاء، وإيجاد التشيع في البلاد التي لا يوجد فيها بالإغراءات المالية والمميزات السيادية للسباقين إلى المذهب، والتواصل مع الأقليات الباطنية، والأحزاب السياسية الناقمة على دولها، وتجنيدها للدولة الفارسية التي هي الدولة المحورية للمذهب، فولاؤهم لها، وقلوبهم معها، ولا يعملون إلا وفق أوامرها وخططها؛ لأن الوالي الفقيه النائب عن المهدي المنتظر فيها، ولا يكون إلا من فُرْسِها، وكل الأتباع في الأرض يؤوبون إليه.
ثم لما أوجدوا لهم أذرعة في كثير من الدول الإسلامية، ومُكِّن لذراعهم في العراق بيد قوى الاستعمار، وقطعوا شوطًا في المشروع النووي عاد حلم تصدير الثورة العسكرية إلى الطاولة السياسية، وصار موضع التنفيذ، فحركوا ذراعهم في لبنان للاستيلاء عليه، ولكن الله تعالى خيّبهم، ثم ها هم يحرّكون ذراعهم الحوثي في اليمن، ونسأل الله تعالى أن يخيّبهم ويدحرهم، وينصر أنصار التوحيد وحماة الحرمين عليهم، إنه سميع مجيب.
ولإثبات أن مشروع تصدير الثورة قد عاد من جديد أنقل إليكم مقولة رئيسهم الحالي في الذكرى الثلاثين لثورتهم؛ إذ يقول عند ضريح الخميني: "إن كانت هذه الثورة جرت في إيران إلا أنها ليست محصورة بالحدود الإيرانية". وهذا يبين النوايا الخبيثة التي يبيّتونها للدول الإسلامية. وفي نفس المناسبة قال مرشد ثورتهم الحالي: "سندافع عن مبادئ الإمام الخميني وعن ميراثه". وأهم شيء ورّثه الخميني لهم هو تصدير الثورة.
ولنجاح تصدير الثورة اخترع أئمتهم نصوصًا تفيد بأن خروج المهدي لن يكون إلا بعد ثورات متتابعة في عدد من الدول لأتباع المذهب، فحين تثور عصبة منهم على حكومتها فهي تظن أنها تعجل بخروج المهدي الذي سيرفع الظلم عن آل البيت وأتباعهم.
ولن يهدأ لهم بال حتى يحققوا أحلامهم، مما يوجب رصَّ الصفوف، ونبذ الفرقة والاختلاف، ومواجهة المد الصفوي في البلاد الإسلامية بفضحه للناس وبيان عواره؛ فإن المخدوعين بهم من أهل الإسلام كثير، والمتخاذلين أكثر، ولو تمكنوا فلن يبقوا للناس دينًا ولا دنيا، ومأساة السنة في العراق أقرب شاهد على ذلك.
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يردهم على أعقابهم خاسرين، وأن يجعلهم عبرة للمعتبرين. نسأله تعالى أن ينصر جندنا عليهم، وأن يخلص اليمن من شرهم، وأن يضرب الذل والهوان عليهم أينما كانوا إنه سميع مجيب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
|