.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

كيف النجاة على الصراط؟

6182

الإيمان, الرقاق والأخلاق والآداب

الجنة والنار, اليوم الآخر

يحيى بن سليمان العقيلي

اليرموك

مسجد موضي الصباح

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أسباب غفلة الناس وسبيل زيادة إيمانهم. 2- هول الصراط وصفته. 3- ظلمة الصراط. 4- حال المنافقين على الصراط. 5- الحث على العمل الصالح.

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ فإن تقوى الله تُفرج الكربات، وتستجلب البركات، وتستنصر رب البريات، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.

معاشر المؤمنين، يتساءل بعض الصالحين عن أسباب غفلة الناس وتنكب بعضهم عن صراط الله المستقيم، وانحرافهم عن سبيل المؤمنين المتقين، وتباطئهم عن العمل الصالح وأعمال المحسنين، وعن الآخرين الذين وضعوا لصلاح أحوالهم حدا لا يتجاوزونه، ولاستقامتهم سياجا لا يتعدونه، فإذا ما نصح أحدهم لمزيد من الطاعات والاستقامة على فعل الصالحات، أو أرشد لنصرة الدين ومؤازرة المصلحين؛ ردّ باكتفائه بما هو عليه وقناعته بما هداه الله إليه، فكيف تتحسن أحوال هؤلاء وتصطلح أوضاع أولئك؟ أقول وبالله التوفيق:

إن من أقوى الدوافع لهؤلاء جميعا ـ ونحن معهم ـ للارتقاء بأحوالنا والقرب أكثر من ربنا هو استحضار مشهد من مشاهد يوم القيامة، انخلعت لهوله قلوب الصالحين، وارتجفت لعظيم خطره أفئدة المتقين، الذين أيقنوا بحدوثه فعايشوه وتذكروه.

إنه موقف خطير ومهول عباد الله، من هوله أن لا يعرف فيه أحد أحدا، ودعاء الأنبياء فيه: ((اللهم سلم سلم)). انه اجتياز الصراط، حين يؤمر بك ـ يا عبد الله ـ لكي تعبره، وهو جسر حادّ وزلق، أحدّ من السيف، وقد ضربت الظلمة على الموقف كما في صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: يا رسول الله، أين يكون الناس حين تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار؟ فقال المصطفى : ((يا عائشة، هم فى الظلمة دون الجسر))، وفى لفظ مسلم: ((هم على الصراط))، وهو الجسر المضروب على متن جهنم، لا يتوصل إلى الجنة إلا بعد اجتيازه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ويضرب جسر جهنم))، فقال رسول الله: ((فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلّم سلّم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو)) رواه البخاري

تخيل نفسك ـ يا عبد الله ـ وأنت تضع قدميك على الصراط، وتحتك نار جهنم تتلظى وتزفر، ويطلب منك أن تعبره، لن ينفع المرء آنذاك حسبه ولا نسبه، ولن ينجيه سلطانه ولا ماله، ولن تسرعه قبيلته ولا جاهه، بل جواز عبورِه التقوَى، فهي طوق النجاة منه وسبيل العبور عليه، ففي الصحيح قال رسول الله : ((والذي نفسي بيده، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة))، فقالت حفصة رضي الله عنها: فقلت: يا رسول الله، أليس الله يقول: وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا؟! قال: ((ألم تسمعيه قال: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)).

معاشر المؤمنين، وفي هذه الظلمة الحالكة تقسم الأنوار على العباد بحسب أعمالهم ليروا الطريق أمامهم، وتدبر معي هذه الآيات التي تصور هذا الموقف العظيم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم: 8].

ويتقدم المنافقون من الصراط فيسلب الله نورهم، لأنه نور مزيف في الدنيا؛ كانوا يتظاهرون به أمام الناس، أما في الآخرة فتظهر الأمور على حقيقتها، فإذا رأى أهل الإيمان نور المنافقين قد أطفئ على الصراط وجلوا وأشفقوا فدعوا الله تعالى: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم: 8]. عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه، يضيء مرة، ويطفأ مرة، إذا أضاء قدّم قدمه، وإذا أطفأ قام))، إلى أن قال: ((فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمرّ الذي نوره على إبهام قدمه، تخرّ يد وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار)) أخرجه الحاكم في المستدرك.

نسأل الله السلامة في الدين، وصدق الإيمان واليقين، ونجاة المتقين.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأكرمنا بالإيمان، وشرفنا بالقرآن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل أمتنا خير أمة أخرجت للناس، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: معاشر المؤمنين، أيقنوا ـ أثابكم الله ـ أن لا نجاة إلا بأعمالكم الصالحة، وعلى قدر عملك هنا ـ يا عبد الله ـ تكون سرعة نجاتك واجتيازك للصراط هناك، واستمعوا لوصف النبي لهذا المشهد العظيم من حديث أبي هريرة عند مسلم، قال صلوات ربي وسلامه عليه: ((وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق))، قال: قلت: بأبي أنت وأمي، أي شيء كمر البرق؟ قال: ((ألم تروا البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟! ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشدّ الرّجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيّكم قائم على الصراط يقول: رب سلّم سلّم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا))، قال: ((وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمِرت به، فمخدوش ناج ومكدوس في النار))، والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفًا.

إن الأمانة والرحم ترسلان فتقومان جنبتي الصراط، تشهدان للشخص أو عليه حسبما كان يفعله تجاههما، إما بالوفاء والتمام والصلة، أو تشهدان عليه بالخيانة والغدر والقطيعة. ثم إن دعوى الأنبياء يومئذٍ على الصراط: ((اللهم سلِّم سلِّم))، روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ثم يوضع الصراط بين ظهري جهنم، والأنبياء بناحِيَتَيه، قولهم: اللهم سلِّم سلِّم، اللّهم سلِّم سلِّم)).

فإذا كانت هذه دعوى الأنبياء: ((اللهم سلم سلم)) فماذا يقول غيرهم؟! ماذا عساه أن يقول قاطع الرحم أو مضيع الأمانة؟! ماذا عساه يفعل تارك الصلاة أو المفرط في الزكاة؟! ماذا عساه أن يقول آكل الربا وشارب الخمر والظالم لحقوق الناس أو المختلس لأموالهم أو المنتهك لأعراضهم؟! إذا كان أنبياء الله وصفوة خلقه دعواهم يومئذٍ: ((اللهم سلم سلم)) فماذا يقول من همه محاربة الدين ومنابذة الشريعة ومخاصمة المصلحين؟!

ألا فاتقوا الله عباد الله، وأسرعوا باجتيازكم الصراط هناك بحسن أعمالكم الصالحة هنا، وأتموا نوركم عليه بتحقيق الإيمان وصدق اليقين وبنصرة الدين ونصح المؤمنين، واعبروه بأفعال المتقين وخصال المحسنين.

هذا، وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة كما...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً