.

اليوم م الموافق ‏09/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

اتباع الصراط في تحريم الاختلاط

6163

الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب

الكبائر والمعاصي, المرأة, قضايا المجتمع

عبد الله بن محمد البصري

القويعية

13/10/1430

جامع الرويضة الجنوبي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تقرير الفوارق بين الجنسين. 2- وظائف الرجل والمرأة تكاملية. 3- النهي عن أن يتمنى كل من الجنسين أن يكون في مكان الآخر. 4- تحريم الاختلاط. 5- مفاسد الاختلاط. 6- بروز دعاة الاختلاط. 7- اكتواء الغرب الكافر من الاختلاط.

الخطبة الأولى

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ تَعَالى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ ممَّا يَجِبُ الإِيمَانُ بِهِ استِسلامًا لِفِطرَةِ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا وَتَصدِيقًا لما جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَةُ الإِيمَانَ بِالفَوَارِقِ بَينَ الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ، سَوَاءً الجَسَدِيَّةُ مِنهَا أَو المَعنَوِيَّةُ، أَوِ الطَّبِيعِيَّةُ أَوِ الشَّرعِيَّةُ، إِذْ هِيَ فُرُوقٌ ثَابِتَةٌ قَدَرًا وَشَرعًا، قَائِمَةٌ حِسًّا وَعَقلاً، لا يَسعُ مُؤمِنًا عَاقِلاً إِلاَّ الإِيمَانُ بها وَإِثبَاتُهَا، وَعَدَمُ التَّعَامِي عَنهَا وَجَحدِهَا.

وَقَد خَلَقَ اللهُ تَعَالى الزَّوجَينِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى لِعِمَارَةِ الكَونِ كُلٌّ فِيمَا يَخُصُّهُ، وَفَرَضَ عَلَيهِمَا عِبَادَتَهُ سُبحَانَهُ بِلا فَرقٍ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ في عُمُومِ الدِّينِ وَالتَّشرِيعِ وَالحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ، وَفي الثَّوَابِ وَالعِقَابِ وَفي التَّرغِيبِ وَالتَّرهِيبِ وَالفَضَائِلِ، وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ، مَن عَمِلَ صَالحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ. لَكِنَّ اللهَ سُبحَانَهُ مَعَ ذَلِكَ قَدَّرَ وَقَضَى أَنَّ الذَّكَرَ لَيسَ كَالأُنثَى، فَفِي الذُّكُورَةِ كَمَالُ خَلقٍ وَقُوَّةُ طَبِيعَةٍ، وَفي الأُنثَى نَقصٌ خِلقَةً وَجِبِلَّةً وَطَبِيعَةً، وَقَد خُلِقَتِ الأُنثَى مِن ضِلَعِ آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ فَهِيَ جُزءٌ مِنهُ وَمَتَاعٌ لَهُ، وَهُوَ مُؤتَمَنٌ عَلَى القِيَامِ بِشُؤُونِهَا وَحِفظِهَا وَالإِنفَاقِ عَلَيهَا وَعَلَى مَا بَينَهُمَا مِنَ الذُّرِّيَّةِ.

وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مِن آثَارِ هَذَا الاختِلافِ في الخِلقَةِ الاختِلافُ بَينَهُمَا في القُوَى وَالقُدُرَاتِ الجَسَدِيَّةِ وَالعَقلِيَّةِ وَالفِكرِيَّةِ وَالعَاطِفِيَّةِ وَالإِرَادِيَّةِ، وَفي العَمَلِ وَالأَدَاءِ وَالكِفَايَةِ في ذَلِكَ، وَمِن ثَمَّ أُنِيطَت بِكُلٍّ مِنهُمَا جُملَةٌ مِن أَحكَامِ التَّشرِيعِ الَّتي تُلائِمُهُ في خِلقَتِهِ وَتُوَافِقُهُ في قُدُرَاتِهِ، وَخُصَّ كُلٌّ مِنهُمَا بِمَهَامِّهِ الَّتي تُنَاسِبُ أَدَاءَهُ وَكِفَايَتَهُ، فَخَصَّ سُبحَانَهُ الرِّجَالَ بِبَعضِ الأَحكَامِ الَّتي تَتَطَلَّبُ صَبرًا وَجَلَدًا وَرَزَانَةً، وَخَصَّ النِّسَاءَ بِبَعضِ الأَحكَامِ الَّتي تُوَافِقُ ضَعفَ أَدَائِهِنَّ وَقِلَّةَ تَحَمُّلِهِنَّ، لِتَتَكَامَلَ بِذَلِكَ الحَيَاةُ الإِنسَانِيَّةُ وَيَعتَدِلَ سَيرُهَا، هَكَذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ، وَمَا كَانَ لمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا.

وَقَد حَرَّمَ سُبحَانَهُ عَلَى الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ أَن يَتَمَنَّى أَيٌّ مِنهُمَا مَا خُصَّ بِهِ الآخَرُ، لِمَا في ذَلِكَ مِنَ السَّخَطِ عَلَى قَدَرِ اللهِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِحُكمِهِ وَشَرعِهِ، وَوَجَّهَهُمَا إِلى أَن يَسأَلاهُ تَعَالى مِن فَضلِهِ فَقَالَ تَعَالى: وَلاَ تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبنَ وَاسأَلُوا اللهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمًا. وَإِذَا كَانَ هَذَا النَّهيُ عَن مُجَرَّدِ التَّمَنِّي، فَكَيفَ بِمَن يُنكِرُ الفَوَارِقَ الشَّرعِيَّةَ بَينَ الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ وَيُنَادِي بِإِلغَائِهَا وَيُطَالِبُ بِالمُسَاوَاةِ بَينَهُمَا وَيَدعُو إِلَيهَا؟! فَهَذِهِ بِلا أَدنى شَكٍّ نَظَرِيَّةٌ إِلحَادِيَّةٌ كُفرِيَّةٌ؛ لِمَا فِيهَا مِن مُنَازَعَةٍ لإِرَادَةِ اللهِ الكَونِيَّةِ القَدَرِيَّةِ في الفَوَارِقِ الخَلقِيَّةِ وَالمَعنَوِيَّةِ بَينَهُمَا، وَلما تَنطَوِي عَلَيهِ مِن مُنَابَذَةٍ لِلإِسلامِ في نُصُوصِهِ الشَّرعِيَّةِ القَاطِعَةِ بِالفَرقِ بَينَ الذَّكَرِ وَالأُنثَى في أَحكَامٍ كَثِيرَةٍ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِذَا تَقَرَّرَ في الأَذهَانِ الفَرقُ بَينَ الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ فَإِنَّ مِنَ الأُصُولِ الَّتي جَاءَ بها الإِسلامُ حِفظًا لِلَفضِيلَةِ وَحِرَاسَةً لِحِمَاهَا وَمُحَارَبَةً لِلرَّذِيلَةِ وَاجتِثَاثًا لِجُذُورِهَا حُرمَةَ الاختِلاطِ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَعَدَمَ جَوَازِ اللِّقَاءِ بَينَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ، ذَلِكَ أَنَّ العِفَّةَ حِجَابٌ رَهِيفٌ خَفِيفٌ، يُمَزِّقُهُ الاختِلاطُ وَيَهتِكُهُ الامتِزَاجُ، وَالحَيَاءُ جِدَارٌ رَقِيقٌ دَقِيقٌ، يَهدِمُهُ اللِّقَاءُ المُحَرَّمُ بَينَ الجِنسَينِ بِكُلِّ طَرِيقٍ غَيرِ شَرعِيٍّ؛ وَلِذَا صَارَ طَرِيقُ الإِسلامِ التَّفرِيقَ وَالمُبَاعَدَةَ بَينَ المَرأَةِ وَالرّجُلِ الأَجنَبِيِّ عَنهَا، إِذْ مُجتَمَعُ الإِسلامِ مُجتَمَعٌ فَردِيٌّ لا زَوجِيٌّ، لِلرِّجَالِ فِيهِ مُجتَمَعَاتُهُمُ الخَاصَّةُ بهم بَعِيدًا عَنِ النِّسَاءِ، وَلِلنَّسَاءِ مُجتَمَعَاتُهُنَّ الخَاصَّةُ بهن، وَاللاَّتي لا يَرَينَ فِيهَا الرِّجَالَ وَلا يَرَونَهُنَّ، وَلا تَخرُجُ المَرأَةُ إِلى مُجتَمَعِ الرِّجَالِ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ مَاسَّةٍ أَو حَاجَةٍ مُلِحَّةٍ، بِضَوَابِطِ الخُرُوجِ الشَّرعِيَّةِ وَآدَابِهِ المَرعِيَّةِ.

وَقَد حَرَّمَ الإِسلامُ الاختِلاطَ بِكُلِّ صُوَرِهِ وَمُسَبِّبَاتِهِ، سَوَاءً في التَّعلِيمِ أَوِ العَمَلِ، أَو عَلَى مَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ وَفَصُولِ الجَامِعَاتِ، أَو في المُؤتَمَرَاتِ وَالنَّدَوَاتِ، أَو في الاجتِمَاعَاتِ الخَاصَّةِ أَوِ العَامَّةِ؛ لما يَنتُجُ عَنهُ مِن هَتكِ الأَعرَاضِ وَوَأدِ الفَضِيلَةِ، وَمَرَضِ القُلُوبِ وَبَعثِ الرَّذِيلَةِ، وِخُنُوثَةِ الرِّجَالِ وَاستِرجَالِ النِّسَاءِ، وَلما يُثمِرُ مِن زَوَالِ الحَيَاءِ وَبُرُوزِ القِحَةِ، وَتَقَلُّصِ العِفَّةِ وَذَهَابِ الحِشمَةِ، وَانعِدَامِ الغَيرَةِ وَحُلُولِ الدِّيَاثَةِ مَحَلَّهَا.

وَقَد جَعَلَتِ الشَّرِيعَةُ المُطَهَّرَةُ قَرَارَ المَرأَةِ في بَيتِهَا وَلُزُومَهَا حِمَاهُ عَزِيمَةً وَاجِبَةً وَأَمرًا مُحَتَّمًا، وَخُرُوجَهَا مِنهُ رُخصَةً لا تَكُونُ إِلا لِحَاجَةٍ أَو ضَرُورَةٍ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى. وَلِلتَّأكِيدِ عَلَى هَذَا فَقَد أُسقِطَت عَنِ النِّسَاءِ صَلاةُ الجُمُعَةِ وَالجَمَاعَةِ، وَجُعِلَ فَرضُ الحَجِّ عَلَيهِنَّ مَشرُوطًا بِوُجُودِ المَحرَمِ، وَلم يُفرَضْ عَلَيهِنَّ الجِهَادُ مَعَ أَنَّهُ مِن أَفضَلِ الأَعمَالِ، كُلُّ ذَلِكَ حِفظًا لأَعرَاضِهِنَّ وَصَونًا لِكَرَامَتِهِنَّ، وَتَقدِيرًا لأَدَائِهِنَّ أَعمَالَهُنَّ وَوَظَائِفَهُنَّ المَنزِلِيَّةَ العَظِيمَةَ.

وَلِذَا فَإِنَّ أَهلَ الإِسلامِ ـ وَالفَخرُ لهم في ذَلِكَ ـ لا عَهدَ لهم بِاختِلاطِ نِسَائِهِم بِالرِّجَالِ الأَجَانِبِ الأَبَاعِدِ، بَل كَانُوا وَمَا زَالُوا مُحَافِظِينَ عَلَى شَرَفِهِم وَعِفَّتِهِم، مُتَمَسِّكِينَ بِأُصُولِ دِينِهِم وَشَرِيعَتِهِم، يَرَونَ المَوتَ وَلا الاختِلاطَ، وَيُنفِقُونَ المَالَ وَيَبقَى لَهُمُ العِرضُ نَقِيًّا، وَإِنَّمَا حَصَلَتِ الفِتنَةُ بِالاختِلاطِ أَوَّلَ مَا حَصَلَت عَلَى أَرضِ الإِسلامِ مِن خِلالِ المَدَارِسِ الاستِعمَارِيَّةِ الأَجنَبِيَّةِ الَّتي فُتِحَت في بَعضِ بِلادِ المُسلِمِينَ، فَكَانَ مِن نِتَاجِهَا أَن مُزِّقَ الحِجَابُ عَلَنًا في بَعضِ البِلادِ، بَل وَأُصدِرَتِ القَوَانِينُ الَّتي تُلزِمُ بِالسُّفُورِ في بِلادٍ أُخرَى، وَقَامَ سُوقُ الفَنِّ المَاجِنِ وَالفُجُورِ، وَأُقِرَّ التَّعلِيمُ المُختَلَطُ، وَأُسنِدَتِ الوِلايَاتُ إِلى غَيرِ أَهلِهَا، في ظِلِّ تَسَاكُتِ العُلَمَاءِ وَالصَّالحِينَ، وَإِسكَاتِ الدُّعَاةِ المُصلِحِينَ، وَاتِّهَامِهِم بِالتَّطَرُّفِ وَالرَّجعِيَّةِ، حَتى لم يَبقَ عَلَى عَدَمِ الاختِلاطِ إِلاَّ بَقَايَا قَلِيلَةٌ مِنَ المُسلِمِينَ، مُتَفَرِّقَةٌ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، وَأُخرَى مُتَحَصِّنَةٌ بِهَذِهِ البِلادِ الطّيِّبَةِ الطَّاهِرَةِ الَّتي رُزِقَت بِطَائِفَةٍ مِنَ المُصلِحِينَ مِن وُلاةٍ وَعُلَمَاءَ أَصحَابِ غَيرَةٍ وَنَخوَةٍ وَحَمِيَّةٍ، فَقَادُوا السَّفِينَةَ إِلى سَاحِلِ النَّجَاةِ رَدحًا مِنَ الزَّمَنِ، إِلى أَن مُكِّنَ لِبَعضِ المَفتُونِينَ وَقُلِّدُوا زِمَامَ الأُمُورِ، فَأَخَذُوا يَكِيدُونَ لِلمَرأَةِ المَكَايِدَ لِيُوقِعُوا بها في شَرَكِ الاختِلاطِ، فَيَستَمتِعُوا بها كَيفَمَا شَاؤُوا وَفي أَيِّ وَقتٍ أَرَادُوا.

وَإِنَّ المُتَأَمِّلَ لِمَا يَدُورُ في هَذِهِ البِلادِ مُنذُ سُنَيَّاتٍ مِن مُحَاوَلاتِ فَرضِ اختِلاطِ الجِنسَينِ في التَّعلِيمِ، وَمَا جَرَى في بَعضِ الجَامِعَاتِ مِن بَدءِ التَّعلِيمِ المُختَلَطِ، لَيَعلَمُ حَجمَ المُؤَامَرَةِ الَّتي يُخَطِّطُ لها أَعدَاءُ اللهِ مِنَ المُنَافِقِينَ وَالعِلمَانِيِّينَ، وَإِنَّ النَّاظِرَ فِيمَا يُوَاكِبُ ذَلِكَ في الصَّحَافَةِ وَمَا يَكتُبُهُ كَثِيرٌ مِنَ السَّخَّابِينَ المَفتُونِينَ عَلَى أَعمِدَةِ الصُّحُفِ لَيَرَى عَجَبًا عُجَابًا، حَيثُ الاستِهزَاءُ بِسُنَّةِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ، وَالسُّخرِيَةُ مِنَ الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ، وَالطَّعنُ في العُلَمَاءِ وَالقُضَاةِ وَالمُفتِينَ وَوَصفُهُم بِالمُفسِدِينَ، وَالتَّجَنِّي عَلَى أَهلِ الغَيرَةِ وَالحَمِيَّةِ، وَنَشرُ البَاطِلِ وَالكَذِبُ عَلَى عِبَادِ اللهِ، كُلُّ هَذَا لِتَهيِئَةِ الرَّأيِ العَامِّ وَامتِصَاصِ حَمَاسَتِهِ، وَتَطوِيعِهِ لِقَبُولِ كُلِّ مَا يُخَطَّطُ لَهُ مِن بَثِّ الاختِلاطِ في كُلِّ مَكَانٍ، وَإِشَاعَةِ الفَاحِشَةِ بَينَ المُؤمِنِينَ، وَصَدَقَ اللهُ إِذْ يَقُولُ: وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُؤمِنِ إِنكَارُ المُنكَرِ بِالطُّرُقِ الشَّرعِيَّةِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمرِ وَالذَّبِّ عَنِ العُلَمَاءِ؛ غَيرَةً لِدِينِ اللهِ وَحِفظًا لِلأَعرَاضِ، وَإِنَّ أَبوَابَ وُلاتِنَا ـ وَفَّقَهُمُ اللهُ ـ مَفتُوحَةٌ، وَالبَرقِيَّاتُ مُتَيَسِّرَةٌ وَمَقدُورٌ عَلَيهَا، وَالإِعذَارُ أَمَامَ اللهِ وَاجِبٌ، وَلا نَجَاةَ وَلا رَحمَةَ إِلاَّ لِلنَّاهِينَ عَنِ السُّوءِ، وَالسُّكُوتُ عَنِ المُنكَرِ مُوجِبٌ لِلعَذَابِ الشَّدِيدِ، قَالَ سُبحَانَهُ: وَإِذَ قَالَت أُمَّةٌ مِنهُم لِمَ تَعِظُونَ قَومًا اللهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم وَلَعَلَّهُم يَتَّقُونَ، وَقَالَ تَعَالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَينَا الَّذِينَ يَنهَونَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بمَا كَانُوا يَفسُقُونَ، وَقَالَ تَعَالى: وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَفي الوَقتِ الَّذِي اكتَوَت فِيهِ الأُمَمُ الغَربِيَّةُ بِجَحِيمِ الاختِلاطِ زِنًا وَشُذُوذًا جِنسِيًّا وَلِوَاطًا وَسِحَاقًا، وَذَاقَت مَرَارَةَ ثِمَارِهِ الخَبِيثَةِ أَمرَاضًا مُزمِنَةً وَأَوبِئَةً فَتَّاكَةً، وَوَجَدَت نِتَاجَهُ انتِهَاكًا لِمَكَانَةِ المَرأَةِ وَامتِهَانًا لِكَرَامَتِهَا، مِمَّا جَعَلَ تِلكَ الأُمَمَ تَعمَلُ عَلَى الفَصلِ بَينَ الجِنسَينِ وَلا سِيَّمَا في المَدَارِسِ وَالكُلِّيَّاتِ، مُقتَنِعَةً بِلُزُومِ عَودِهَا إِلى الفِطرَةِ السَّوِيَّةِ، بَعد أَن خَاضَت غِمَارَ تَجرِبَةِ مُصَادَمَتِهَا الفَاشِلَةِ، أَقُولُ: في ذَلِكَ الوَقتِ الَّذِي يَعُودُ فِيهِ الكُفَّارُ إِلى الفِطرَةِ مُرغَمِينَ بَعدَ سِنِينَ مِنَ التِّيهِ وَالضِّيَاعِ، يَأتي مِن أَشقِيَاءِ قَومِنَا مَن يَدعُو إِلى الاختِلاطِ وَيُزَيِّنُهُ، وَيَزعُمُ أَنَّهُ هُوَ الأَصلُ، وَيُطَالِبُ بِالدَّلِيلِ عَلَى الفَصلِ. وَتَاللهِ، لَولا التَّجرِبَةُ الفَاضِحَةُ لَكَانَ لِبَعضِهِم مَلاذٌ في أَنفَاقِ التَّموِيهِ وَدَهَالِيزِ المُخَادَعَةِ، أَمَّا وَقَد أَفصَحَتِ التَّجَارِبُ عَمَّا يَشِيبُ لِهَولِهِ الوِلدَانُ مِن هَتكِ الأَعرَاضِ وَانتِشَارِ الأَمرَاضِ، وتَشَتُّتِ الأُسَرِ وَتَمَزُّقِ الأَوَاصِرِ، فَمَا لِعَاقِلٍ عُذرٌ أَن يَدعُوَ إِلى الاختِلاطِ أَو يُنَافِحَ عَنهُ، كَيفَ وَقَد جَاءَ الحُكمُ بِتَحرِيمِهِ مِن لَدُن حَكِيمٍ خَبِيرٍ؟! إِنَّنَا نَسمَعُ وَنَرَى في بَعضِ الإِذَاعَاتِ وَالقَنَوَاتِ، وَنَقرَأُ في عَدَدٍ مِنَ الصُّحُفِ وَالمُنتَدَيَاتِ، مَقَالاتٍ وَكِتَابَاتٍ عَن بَعضِ مَن يَنسَاقُونَ وَرَاءَ هَذِهِ الدَّعَاوَى الإِلحَادِيَّةِ، مُزَيَّنَةً بِزُخرُفِ القَولِ وَمَعسُولِ الكَلامِ، يُشَارِكُونَ بِهَا لِحُمقِهِم وَقِلَّةِ فِقهِهِم، مُنخَدِعِينَ بِشَعَارَاتِ الحُرِّيَّةِ وَأَغلِفَةِ المُسَاوَاةِ، أَلا فَلا نَامَت عَينٌ تَتَجَاهَلُ مَا حَلَّ بِالعُصَاةِ مِنَ المَثُلاتِ، وَلا زَكَا عَقلٌ لا يَعِي العِبَرَ وَالعِظَاتِ، ولا اطمَأَنَّ قَلبٌ لم يُوقِنْ بما أُنزِلَ مِن آياتٍ بَيِّنَاتٍ.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَاتَّبِعُوا سَبِيلَ المُؤمِنِينَ، وَاحذَرُوا المُشَاقَّةَ وَأَهلَهَا، وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلىَّ وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً