.

اليوم م الموافق ‏09/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

عيد الفطر 1430هـ: العمل التطوعي

6157

الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأعمال, قضايا المجتمع

صالح بن عبد الله بن حميد

مكة المكرمة

1/10/1430

المسجد الحرام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الفرح بالعيد. 2- أهمية العمل التطوعي وبيان منافعه وفوائده. 3- حقيقة العمل التطوعي الخيري وسعته. 4- الأدلة من الكتاب والسنة على فضل العمل الخيري التطوعي. 5- ضرورة التخطيط والتنظيم للعمل التطوعي. 6- مفاسد الغفلة عن أهمية العمل التطوعي. 7- معوقات العمل التطوعي. 8- أصحاب العيد الحقيقيون.

الخطبة الأولى

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر ما أشرقَت شمسُ هذا اليومِ الأغرّ، والله أكبر ما تعاقب العيدان: عيدُ الفطر ويومُ الحجّ الأكبر.

أمّا بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فاتقوا الله رحمكم الله، فتقوى الله خير زاد ليوم المعاد، اتّقوه فيما أمر، واتّقوه فيما نهى عنه وزجَر، زيِّنوا بواطنكم بالتّقوى والإخلاص والتّوبة كما زيّنتم أبدانَكم بجميلِ اللّباس والمظهَر، وتذكَّروا باجتماعِكم هذا يومَ العرضِ الأكبر، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ [18: الحاقة]. جعلني اللهُ وإياكم ممن ذكِّر فتذكَّر، وغفر لنا ذنوبَنا ما تقدَّم منها وما تأخّر؛ فهو الكريم الجواد، يقبل التوبةَ عن عبادِه ويغفِر لمن استَغفَر.

أيّها المسلمون، هذا عيدُكم، فابتهِجوا وافرَحوا وتزاوَروا، وانشُروا المحبّةَ والألفةَ، وثِّقُوا روابِطَكم، تبادلوا التهاني والدّعوات بعُمرٍ مَديد وعملٍ صالحٍ سَديد، افرَحوا بيوم فِطركم كما تفرَحون بيومِ صومكم، فَرحةَ القيام بالواجب وامتثالِ الأمر، وفرحةَ حُسن الظنّ بالله الكريمِ المنّان والثّقة بحسنِ جزائه، للصائِم فرحتان: إذا أفطر فرِح لفطره، وإذا لقيَ ربَّه فرح لصومه. إنه يومُ الجوائز، وهل يُفرَح إلاّ بالجوائز؟! أدّيتم فرضَكم، وأطَعتُم ربَّكم، صمتم وقمتم، وقرأتم وتصدقتم، فهنيئًا لكم.

عيدٌ سَعيد يستَقبِلُه المسلِمون بالتّكبير، وتجمعُهُم فيه صلاةٌ جامعة، يحمَدون اللهَ ويسبّحونه، ويهلِّلونه ويكبِّرونه، المسلمون في أعيادهم يتَّصلون بربهم ويتواصَلون مع إخوانهم، أرأيتم أعظمَ وأجملَ من هذا المنهَج في الاجتماع والاحتفال الجامِع بين صلاحِ الدّين والدنيا؟!

الله أكبر ما تنزّلت الرحماتُ من العليّ الكبير، والله أكبر ما سعَت الأقدامُ لزيارة مسجِد سيِّد الأنام محمّد عليه الصلاة والسلام، الله أكبر ولله الحمد.

أيّها المسلمون، وفي غَمرةِ البهجةِ والابتهاجِ والفَرح والاستبشار ثمَّة معيارٌ كبير لا حدودَ لآثاره في الخير والنفع ونَشرِ البشرِ والسعادة، معيارٌ لا حدودَ لمنافعه المباشرةِ وغير المباشرة، معيارٌ ومنهج يزيد من القدرة على التفاعُل والتّواصل، وينمِّي روحَ التعاوُنِ والعمل الجماعيّ والمشاعِر الإيجابيّة المشترَكة، ويجعل المجتمَعَ أكثَرَ تماسكًا، بل أكثرَ اطمئنانًا وثِقَة بأبنائِه، ويُكسِب مَهاراتٍ وخبرات، ويزيد في كشفِ المواهب والقدرات. مبدأٌ ومسلك يعزِّز التكافلَ الاجتماعي، ويوظِّف الطاقاتِ البشريّة، ويُسهم إسهامًا حقيقيًّا في البناء والتنمية الاقتصاديّة والبشريّة والاجتماعيّة، فضلاً عن آثارِه الدينيّة والتربويّة والنفسيّة العميقة، بل إنه يُسهم إسهامًا عظيمًا في الحِفاظ على الأمنِ الداخليّ والحدّ من الجريمة والفَقر والفسادِ الأخلاقيّ، بل إنّه مقياسٌ للتقدّم والرقيّ الفكريّ والإداريّ والعمليّ، تتبارى الأمَم في تأسيسِه ورعايَتِه وإفساحِ المجال له ودَعم نشاطِه.

ما هو ذلكم المعيار؟ وما هو هذا المؤشّر وأنتم تعيشون فرحَة العيد وبهجتَه ونشرَ الخير وتوزيعَ الابتِسامات وبسطَ الأفراح؟ ذلكم هو العَمَل التطوعيّ والعمل الخيريّ، إنه الإسهام الواسِع في فعلِ الخير ونفعِ العباد وكلِّ ما يخدِم الدينَ والأوطانَ والناسَ.

الله أكبر ما تعالَت الأصواتُ بالتّكبير، والله أكبر ما تصافَح المسلمون وتصافَوا في هذا اليومِ الكبير، والله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا.

معاشِر المسلمين الأحبّة، والمسلمُ يعيش بهجةَ العيد، ويحبّ أن ينشرَ هذه البهجَةَ؛ فالعملُ التطوعيّ وفعل الخير والمسابقةُ فيه أوسعُ سُبُل المنافسة والمسارَعَة إلى الخيرات، قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى: 14، 15]. بالعمل التطوعيّ حين [يتمحَّض] الإخلاص فإنَّ النفسَ تزكو والهمّة تعلو.

العملُ التطوعيّ سدُّ حاجات وتخفيفُ معاناة ومشاركةُ همومٍ، ليس مقصورًا على الأحداث والنوازل والكوارث والطوارِئ، بل يتعدَّد ويتجدَّد حسبَ الحاجات والمستجدّات والمتغيّرات.

العملُ التطوعيّ والفعل الخيريّ يهذِّب النفسَ، ويقي من الشحّ، ويغرس الحبّ في نفسِ المتطوّع، وينزِع عنه النظرةَ السلبيّة، وتقوَى عنده الآمالُ، ويتجنَّب اليأسَ والإحباطَ، ويحدّ من النزعةِ المادّية، وتمتلِئ فيه النّفسُ بالرضَا وحُسن الاتصال بالله جلّ وعلا.

العمل التطوعيّ في ظلِّ القطاع الخيريّ نظامٌ شاملٌ، يعبِّر عن مسؤوليّة كلّ فردٍ في المجتمَع تجاهَ إخوانه في مختَلف مناشِط الحياة ومجالاتها المادّية والمعنويّة والنفسيّة. إنه صورةٌ من صور التعاطُف البشريّ والتكامل الإنسانيّ.

العملُ التطوعيّ المنظَّم يسهِم في نشرِ الأمنِ الاجتماعيّ، بل إنه يمتدّ ليُوظَّف لنشرِ الأمنِ الفكريّ وتوحيد الأمّة في أطيافها.

ذلكم أنّ الانخراطَ في العمل التطوعيّ يبعَث في النفس الرضا والانتِماء، ويُسهم في تجاوُز كَثيرٍ من أمراض العصر منَ الاكتِئاب والشعورِ بالعُزلة والضّغوطِ الاجتماعيّة والنفسيّة.

وليسَ من المبالغَة القولُ بأنّ القطاعَ الخيريّ قادرٌ بإذن الله على إنهاءِ الأزَمات السّاخنة والبَاردة، بل إنّ القطاع الخيريَّ يقوِّي نفوذَ الدولة، ويحافِظ على حقِّ السيادة والقوة، ويعزِّز الأسُس التي تقوم عليها، ويحافظ على هويَّتها واستقرارِها السياسيّ؛ لما يوفِّره من شراكةٍ شعبيّة حقيقيّة، بل إنّه من أقوى وسائلِ الإصلاح، وهو يقِي الدُّوَل الضغوطَ السياسيّة الخارجيّة، كما أنه ينظِّم جمعَ الموارِد وصرفها من مِنَح وتبرّعات وأوقاف وصدقاتٍ وغيرها.

إنَّ القطاعَ الخيريَّ والعمل التطوعيَّ هو المكمِّل للتنميةِ الشاملة، وخِدمَاتُه قوّةٌ للدّوَل والحكومات.

القطاعُ الخيريّ غيرُ الربحيّ يحقِّق التوازنَ بين القطاع الحكوميّ والقطاع الخاصّ التجاريّ، ويسدِّد نقصَ الخدمات، ويكبَح جماحَ طمعِ الطامعين وجَشَع الجشعين، ويدعَم ولاءَ الأفراد للمجتَمع والانتماءَ لأوطانهم ودولهم.

الله أكبر ما تعاوَنت الجهودُ، والله أكبر ما صدَقَت العهود، والله أكبر ما تعاطَفَت القلوبُ وتقاربت النفوس، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.

أيها الإخوةُ المسلمون، ولو تساءَل متسائل: لماذا يكون للعمَل التطوعيّ هذا الأثر؟ ولماذا بلَغ هذه الأهمّيّة؟

فسوف يأتي الجواب: لأنّ ميادينَه واسعَة، ولا تقَعُ تحتَ حصر، إنه يجسِّد الخيرَ بمفهومِه الواسع ومعناه الكبير، والخيرُ سبيلُ الفلاح، وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77]. ناهيكم ـ حفِظكم الله ـ أنَّ سعتَه في دينِنا تنتَظِم النوافلَ وفروضَ الكفايات، فالمسلم الصالح المحسِن يتقلَّب في أنواعٍ من التطوّعات ووجوهِ الخير وأبوابِه ممّا لا يقَع تحتَ حَصر مما نفعُه قاصرٌ ونفعُه متعَدّ.

التطوّع بذلٌ من كلّ الوجوه: بذلٌ في المال، وبذل في الجُهد، وبذلٌ في الرأي، وبذلٌ في الفكر، وبذلٌ في العاطفة، وبذل في الحياة ووجوهها كافّة، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن: 16].

العملُ الخيريّ يستوعِب كلَّ جوانب التطوّع والأعمال الشعبيّة والخيريّة والأهلية؛ من التعليم والتدريب وإيجادِ فُرَص العمَل ومُعالجةِ الفَقر وبِناءِ المدارِس والمسَاجِد والمستَشفيات والمساكِن وطباعةِ الكُتب ونشرِها وترجمتها ومساعدةِ المحتاجين في المأكل والمشرَب والملبَس والغذاء والدواء وخِدماتِ ذوي الاحتياجاتِ الخاصّة وحماية المرافقِ العامة والممتلَكات والإسهامِ في نظافتِها وصيانتها والحفاظِ على الثروات الطبيعية ومناهَضَة الحروب ودعمِ قِيَم الحرية الحقيقيّة وحماية المستهلك والإسعافات وهدايةِ الضالّ: ضالِّ الحقّ وضالّ الطريق، ناهيكم بالأمورِ الطارئة من الكوارِث والحوادِث والزلازِل والعواصف والسيولِ وتقلّبات الصيفِ والشتاء، ثم ناهيكم بمفهوم الحِسبة والاحتساب، هذا المصطَلَح الجميل العجيب الفرِيد الذي يبعَث في نفوسِ أهلِ الإسلام المبادراتِ الفرديّةَ والجماعيّة؛ لإيجاد آلياتٍ ووَسائل ونُظُمٍ محدَثةٍ تناسِب الواقعَ والمستجداتِ والمتغيرات، في تعدُّدٍ وشمول منقَطِع النظير، نشاطٌ ومناشط تحفَظ الثوابتَ، وتُبقي على مكانةِ القِيَم، وتعالج أسبابَ الخلَل في المجتمع والدّولة والأفراد.

الله أكبر ما عنَت الوجوه للحيّ القيوم، والله أكبر والعزّةُ لله ولرسولِه وللمؤمنين، والله أكبر ما ندِم المقصِّرون على ما فات من الخيرِ المطلوب والعمَل الصالح المرغوب، الله أكبر، ولله الحمد.

معاشرَ الإخوة، عملُ الخيرِ والتطوّع في دينِنا أظهرُ مِن أن تُحشَدَ الأدلة من أجلِ إثباتِه والتدليلِ عليه، ويكفي أن يلحَظ الملاحظ أنّ حضارتَنا الإسلامية التي أشادَها دينُنا قامت بسواعِد جمهور المسلمين: (العمل الشعبيّ) بلغة العصر، حضارة باعثُها وبانِيها الإيمانُ والبرّ والتقوى وابتغاءُ رضوان الله وفضلِه ونفعِ الناس.

ومع هذا فتأمَّلوا هذه العقودَ الدريّة من آياتِ الذكر الحكيم ومِن مشكاة النبوّة المحمدية في سعةِ هذا العمل وفضلِه والحثِّ عليه والمنافسَة فيه:

يقول عزّ شأنه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة: 7]، ويقول عزّ شأنه: وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النحل: 77]، ويقول سبحانه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا [المائدة: 48]، ويقول سبحانه: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ [الأنبياء: 73]، وقال سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 3]، وقال عزّ شأنه: وَمَا تُقَدِمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ [البقرة: 110]، ويقول عزّ شأنه: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا [الإنسان 8، 9]، ويقول عزّ قائلاً: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9].

ومن مشكاة النبوّة: يقول عليه الصلاة والسلام: ((من مشَى في حاجةِ أخيه كان خيرًا من اعتكافِه عشرَ سنين))، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((من نفّس عن مسلمٍ كربةً من كُرَب الدنيا نفّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومَن يسّر على معْسِرٍ يسَّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، والله في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عون أخيه))، ((والسّاعي على الأرملةِ والمسكين كالمجاهدِ في سبيل الله، أو كالقائم الليل والصائمِ النهار))، ((كل يومٍ تطلع فيه الشمس تعدِل بين اثنَين صدقة، وتعين الرجلَ على دابّته فتحمِله عليها أو ترفَع عليها متاعَه صدقة، والكلمةُ الطيّبة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدَقة، وبكلّ خَطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدَقة، وتميط الأذَى عن الطريق صدقة))، ورأى النبيُّ رَجلاً يتقلَّب في الجنّة في شجرةٍ قطَعها من ظَهر الطريق كانت تؤذِي المسلمين. كلّ هذه أحاديثُ صحيحة مخرّجة في الصحيحين وغيرهما.

وبعد: عبادَ الله، ومعَ وضوحِ ذلك وجلائِه فلا بدّ من إيجادِ خطّة في كلّ دولةٍ للعمل الخيريّ والتطوعيّ، تنظِّم العمَل، وترتِّب العلاقةَ بين القطاعاتِ جميعِها عامِّها وخاصِّها وخيريّها، لا بدّ أن يُدار العملُ الخيريّ بفكرٍ علميٍّ وفقهٍ إداريّ، مع المراقبةِ والضّبط والمتابعَة والمحاسبة، ثمّ لا يُنكَر دورُ الإعلام في نشرِ ثقافةِ التطوّع والوعي الخيريّ واعتمادِ المصداقيّة والوضوح والإقناع.

ثم أما بعد: فإنّ أيَّ جهد يُبذل للنفع العامّ مع الإخلاص هو في سبيل الله، وفي المقابلِ فإنّ الوقوفَ ضدَّ ذلك هو من الصدِّ عن سبيل الله، واقرؤوا إن شئتم: بسم الله الرحمن الرحيم، أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ  وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ  فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ  الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ  الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [سورة الماعون].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ . وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله خلَق الأرضَ والسموات، والله أكبر أحسَن تدبير الكائنات، والحمدُ لله قدّر الأرزاقَ والأقوات، والله أكبر أنزَل الماءَ من المعصرات، والحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره على جزيلِ العطايا والهبات. وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة حتى ارتفَعت للملّة الأعلام والراياتُ، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، حقّقوا في دين الله أعلى وأغلَى المكتسبات، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

أما بعد: فبارك الله لكم في أعيادِكم، ودامَت مسرّاتكم، وتقبّل الله طاعتكم، وزادَكم إحسانًا وتوفيقًا، وأعانكم على ذكرِه وشكرِه وحسن عبادته.

أيّها المسلمون، الغفلةُ عن الأهمّية العظيمة للعمل التطوعيّ والعمل الخيريّ ينتِج آثارًا سلبيةً عظيمة، ليس في نقصِ الحاجاتِ الأساسيّة للمحتاجين من غِذاءٍ ودواءٍ وتعليمٍ وإيواءٍ وعَيشٍ كريمٍ فقَط، بل حرمانٌ للنّاس ولا سيما الشباب القادِرون من إشباعِ رغباتهم وتطلُّعهم للمثُلِ العليا والبَذل والجدّ والنفع والإيجابيّة الحقّة، الأسَى والمأسَاة أن ترَى فِتيانًا وفتياتٍ في صُورٍ مؤلمةٍ محزِنةٍ مخزِيةٍ موجِعةٍ في الشوارِع والسّاحات والأسواقِ والبيوت، يُمضون الفراغَ، ويقتلون الأوقات، وينحَرون الأيام والساعات، ويعيشون حياةً هامِشيّةً رَخوةً هشة، لا يحمِلون همومًا، ولا يتطلَّعون إلى مستقبل، ولا يشعُرون بمسؤولية، وهذا مؤشِّرٌ خطيرٌ يقودُ إلى انزِلاقاتٍ مسلكيّة وانحرافاتٍ فكرية.

وفي ختام هذا الموضوعِ العظيم فإنّ ما يقِف أمامَه مِن معوِّقاتٍ هو هذه الهجمَة الشّرسة الظالمة التي يواجِهها بأفرادِه ومؤسَّساته وهيئاتِه وجمعيّاته وتجفيفِ منابِعه والتضيِيق عليه وتجميدِ أرصِدته من أعداء خارج الأمة بدافع محاربة الإرهاب، يَزيد مِن ذلك نقصُ الثقافةِ في أهميّة هذا العمل المجيد والضّعف في الدّعم والنّقص في التأهيل وضَعف التعاوُن بين المؤسَّسات والهيئات الخيرية.

وفي كل ذلك يجِب الوقوفُ الحازِم أمامَ حملات التّشويه التي تستهدِف هذا العملَ المبرور لمصلحَة المسلمين عاملين ومعمول من أجلهم، يجب الوقوف والوَقف أمامَ سلطان التّضليل وتشويه الحقائق، يجب المجاهدةُ حتى لا تسودَ الأوهام وتتداخَل المصطلحاتُ وتلتبِس المفاهيم؛ مما يحتِّم على طلاّب الحقّ ودُعاته والسّاسَة والمفكرين والكتّاب والمثقّفين إيضاحُ الحقيقة والتصدّي لهذا اللَّبْس ونصر الحق.

ويعظُم الأسَى وتشتدُّ المأسَاة حين ترَى آثارَ هذا اللّبس قد انعَكس على فئاتٍ من شبابنا الأغرار وصِغار الأحلام وذوي الضَّحالة في العلم والفكر من الذين وقَعوا في شباكِ أجهزةِ الاستخبارات الإقليميّة والدوليّة وثعالبِ السياسة حين يدفَعون تحت هذه المصطلحاتِ الملتَبسة والتزييفات المنحَرفة دونَ رُؤية أو رويَّة؛ ليكونوا أبواقًا للتّكفير ووَقودًا للتفجير. أرأيتم كيف انحرَفوا وانجَرَفوا في شبَكاتِ المخطّطات والتخبّطات؟! وقعوا وانزَلقوا بسبَب هذا التضليل، ارتموا وتحالفوا بسبَب الجهل والسذاجة. ألم يدرِكوا أنّ غايةَ ما يُدفَعون إليه هو نشرُ الفوضى وإثارةُ الفتن وبلبلة الفكر، ومن ثَمَّ تسليمُ ديار الإسلام إلى خصوم الأمة وأعدائها؟! تحوَّلوا في انحرافٍ خطير وانجِرافٍ مدمّر ليستهدِفوا أهليهم ويقتُلوا إخوانهم وآباءَهم وقياداتهم، يخرِبون بيوتَهم بأيديهم وأيدِي أعدائهم.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واهنؤوا بعيدكم، وأصلحوا ذات بينكم، وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الأنفال: 1].

التهنئةُ الصادقة والابتهاجُ الحقّ لمن قَبِل الله صيامَه وقيامه، وحسُنتْ نيته، وصلُح عمله. تهنئةً وبهجةً لمن حسُن خلُقه وطابت سريرته. هنيئًا لموسِرٍ يزرعُ البهجةَ على شفَة محتاج، ومحسِنٍ يعطِف على أرمَلةٍ ومسكينٍ ويتيمٍ، وصحيحٍ يزور مريضًا، وقريبٍ يصِل قريبًا. العيدُ عيدُ من عفَا عمّن زلَّ وهفا، وأحسن لمن أساء. العيد عيدُ من حفِظ النفسَ وكفَّ عن نوازِع الهوى، يلبس الجديد ويشكر الحميدَ المجيد، في فرحٍ لا يُنسي وبهجةٍ لا تُطغي. لا يسعَد بالعيدِ من عَقّ والدَيه وحُرِم الرّضا في هذا اليوم المبارك السعيد، ولا يسعَد بالعيد من يحسُد الناسَ على ما آتاهم الله من فضله، وليس العيدُ لخائنٍ غشّاش يسعَى بالفساد بين الأنام، كيف يفرح بالعيد من أضاع أموالَه في ملاهٍ محرّمة وفسوق وفجور؟! ليس له من العيد إلا مظاهرُه، وليس له من الحظّ إلا عواثرُه.

الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

ثمّ اعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ من أعمالِ هذا اليوم إخراجَ زكاةِ الفطر، فأخرجوها طيّبةً بها نفوسكم. مقدارها صاعٌ من طعامٍ من غالِب قوتِ البلَد كالأرز والبرّ والتّمر عن كلّ مسلم. ووقت إخراجها الفاضِل يوم العيد قبل الصلاة.

ومن مظاهرِ الإحسان بعد رمضان استدامةُ العبد على نهجِ الطاعة والاستقامة وإتباعُ الحسنة الحسنة، وقد ندبكم نبيُّكم محمدٌ بأن تُتْبِعُوا رمضانَ بستٍ من شوال، فمن فعل فكأنما صام الدهر كلَّه.

تقبّل الله منّا ومنكم الصيام والقيامَ وسائرَ الطاعات والأعمال الصالحات.

ثم صلّوا وسلّموا على الرحمةِ المهداة والنّعمة المسداة نبيِّكم محمّدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربّكم، فقال عزّ قائلاً عليمًا: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللّهمّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك نبيّنا محمدٍ، وعلى آله وأزواجه وذرّيّته، وارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الراشدين الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللّهمّ أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، وانصُر عبادَك المؤمنين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدة وسائرَ أعداء الملة والدين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً