.

اليوم م الموافق ‏09/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

زكاة الفطر: فرضها وحكمتها وأحكامها

6143

فقه

الزكاة والصدقة

إبراهيم بن محمد الحقيل

الرياض

28/9/1430

جامع المقيل

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- التدرج في فرض الزكاة. 2- سبب تسمية زكاة الفطر. 3- الحكمة من زكاة الفطر. 4- تعلق زكاة الفطر بالصيام وبالعيد. 5- مصرف زكاة الفطر. 6- زكاة الفطر طعام وليست قيمة. 7- وقت وجوبها وعلى من تجب؟ 8- التحذير من المنكرات يوم العيد.

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأحسنوا ختام هذا الشهر العظيم؛ فإن الأعمال بالخواتيم، وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [النحل: 92]، وخذوا العبرة والعظة من سرعة انتهاء شهركم في استثمار أوقاتكم؛ فإن أعماركم تمضي عليكم كما مضى، ولا يبقى لكم إلا ما قدمتم فيها.

أيها الناس، من حكمة الله تعالى ورحمته بعباده أنه سبحانه يأخذهم في أوامره بالتدرج؛ ليكون أدعى لامتثالهم، ولئلا يثقل العمل عليهم، وكثير من التشريعات كانت كذلك كالصلاة والزكاة والصيام.

والزكاة وهي الركن الثالث من أركان الإسلام جاء التشريع متدرجًا بها على مراحل ثلاث، ففي العهد المكي من الإسلام أُمر المسلمون بها مع الصلاة: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [المزمل: 20]، لكن لم تُعين أنصبتها ومقاديرها وأهلها، وإنما يزكي المسلم بما يختار قليلاً أو كثيرًا.

ثم في المرحلة الثانية شُرعت زكاة الفطر من رمضان قبل أن تفرض الزكاة في الأموال؛ وذلك بعد فرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة كما دل على ذلك حديث قَيْسِ بنِ سَعْدٍ رَضَيَ اللهُ عَنْهُما قَال: أَمَرَنَا رَسُولُ الله بِصَدَقَةِ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاة، فَلَما نَزَلَتِ الزَّكَاةُ لَم يَأْمُرْنَا وَلم يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُه. رَوَاهُ النَّسَائِي.

ثم في المرحلة الثالثة فُرضت الزكاة في الأموال بأنصبتها ومقاديرها ومصارفها التي بينها الله تعالى في كتابه، وبينها رسوله في سنته، وبقيت زكاة الفطر على الأمر الأول، فأخرجها النبي وصحابته رضي الله عنهم ومن بعدهم من المسلمين إلى يومنا هذا، حتى صارت زكاة الفطر من الشعائر الظاهرة المشهورة في كل بلاد المسلمين.

وسميت بهذا الاسم لأنها للفطر بعد انقضاء الصيام، وهي عبادة عظيمة بين شعيرتين كبيرتين هما: الصيام والعيد؛ فلها تعلق بالصيام من جهة أن فيها شكرًا لله تعالى على الإمهال لإدراك رمضان، وتلك نعمة عظيمة، كما أن فيها شكرًا لله تعالى على الهداية والإعانة على إتمام شهر رمضان صيامًا وقيامًا، وقد أمرنا الله تعالى بشكره على ذلك: وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185]. وجاء عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه خَطَبَ في آخِرِ رَمَضَانَ على مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فقال: (أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ) رواه أبو داود.

وهي ترقِّعُ ما تخرق من صيام العبد؛ ذلك أن العبد محل الخطأ والسهو والجهل، وهذا المعنى جاء في حديث ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللُه عَنْهُما قَال: فَرَضَ رَسُولُ الله زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلْصَائِمِ مِنَ الَّلغْوِ والرَّفَثِ. رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ.

والصوم يربي الصائمين على البذل والإنفاق؛ لأنهم إذا جاعوا وعطشوا تذكروا إخوانهم الفقراء فأشركوهم في طعامهم إفطارًا وسحورًا، أو بذلوا لهم من المال ما يسد حاجتهم، وزكاةُ الفطر تَصِل هذا الإحسان والبذل إلى ما بعد الفطر؛ ليبقى الصائم على بذله وكرمه بعد انقضاء رمضان.

ولزكاة الفطر تعلق بشعيرة العيد من جهة أن يومَ العيد يومُ فرح وحبور لعموم المسلمين، فلا ينبغي أن يَستأثر الأغنياء بهذه الفرحة دون الفقراء، فيكون في إطعامهم فراغًا لهم للعيد؛ ليفرحوا به مع أسرهم بدل الكدح وطلب القوت، وإغناءً لهم في ذلك اليوم العظيم، وهذا المعنى منصوص عليه في حديث ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللُه عَنْهُما قَال: فَرَضَ رَسُولُ الله زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلْصَائِمِ مِنَ الَّلغْوِ والرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِين.

وأما مصرفها فللمساكين خاصة، وليست للأصناف الثمانية المذكورة في القرآن؛ لما جاء في الحديث: وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِين. ولذا قال العلماء: لا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة وهو من يأخذ لحاجته. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وكان من هدية تخصيص المساكين بهذه الصدقة ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضةً قبضةً، ولا فعله أحد من أصحابه ولا من بعدهم".

وتظهر هنا حكمة كون زكاة الفطر من أنواع الطعام، وليست من أنواع المال؛ فإن كلَّ الأحاديث الواردة فيها لم يرد في واحد منها ذكرُ المال، وذُكِر في جميعها أصنافٌ من الطعام، ومن ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَال: فَرَضَ رَسُولُ الله زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. رَوَاهُ الشَّيْخَان. وفي حديث أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. رَوَاهُ الشَّيْخَان.

إن القول بجواز إخراج قيمة زكاة الفطر بدلاً عن الطعام قولٌ بيّن الخطأ، مخالفٌ للسنة ولفعل الصحابة رضي الله عنهم، وفيه تعطيلٌ لمقاصد الشارع الحكيم في فرض زكاة الفطر من الطعام؛ فزكاة الفطر فُرضت مع رمضان في السنة الثانية للهجرة، وزكَّى النبيُ والصحابة معه رضي الله عنهم تسع سنوات، ولم يَرِد في هذه السنوات التسع أن أحدًا منهم أخرج قيمتها مع أن الناس آنذاك محتاجون للمال، وفي الصحابة رضي الله عنهم أغنياء مثل أبي بكر وعثمان وابن عوف وغيرهم يستطيعون إخراج القيمة، ولا تفسير لإطباقهم على عدم إخراج قيمتها خلال تسعة أعوام مع وجود المقتضي وهو حاجة الناس للمال إلا أن الشارع الحكيم قَصَدَ منع القيمة، وخصها بالطعام دون المال؛ ولذا نص الفقهاء على أن الزكاة عبادة ولا بد من التوقيف فيها على النص، وإخراجُ القيمة عدول عن النص.

ثم إن الأصل فيها هو إخراجُ الطعام بالإجماع، والذين قالوا بجواز إخراج القيمة جعلوها بدلاً عن الطعام، ومعلوم فقهًا أنه لا يُصار إلى البدل إلا عند عدم المبدل عنه، والطعام لم يُعدم حتى يصار للقيمة، ثم إن الفرع وهو القيمة إذا أدى إلى تعطل الأصل وهو الطعام بطل الفرع، وقد رأينا تعطل هذا الأصل في البلاد التي اعتمد مفتوها جواز إخراج القيمة.

إن زكاة الفطر شعيرة من الشعائر الدالة على الفطر، ومظهر من مظاهر العيد، وفي ليلة العيد وفجره يرى الناس الطعام يُكال ويُوزن ويُشترى وينقل ويعطى ويؤخذ، واعتماد القيمة يبطل هذه الشعيرة، ويلغي هذا المظهر الذي قصده الشارع الحكيم في عيد الفطر، فتصبح زكاةَ الفطر كأي صدقة أخرى لا تدل على عيد الفطر.

وفي إخراج الطعام منفعة لجميع أفراد الأسرة الفقيرة بخلاف القيمة التي قد يتمونها رب الأسرة ويحرم أسرته منها، وقد ثبت أن أسرًا فقيرة تقتات طوال العام على ما تجمعه في زكاة الفطر من الطعام، فالخير كل الخير في هدي النبي ، والشر في مخالفته، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ [الحشر: 7].

بارك الله لي ولكم في القرآن...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: 281]

أيها المسلمون، يتعامل بعض الناس مع زكاة الفطر كما يتعاملون مع الأضاحي، فيدفعونها لجيرانهم أو قرابتهم وليسوا من أهلها، فلا تبرأ ذمتهم بذلك، ولا يحل لغني أن يقبلها؛ لأنها طعمة للمساكين.

ووقت وجوبها هو غروب شمس آخر يوم من رمضان، ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين كما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون، ووقتها الفاضل عقب صلاة الفجر وقبل صلاة العيد؛ لما فيه من إظهار شعائر العيد، وهي من شعائره، يخرجها الرجل عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من زوجة وولد، ومن كان منهم مكتسبًا فالأفضل أن يخرجها هو عن نفسه، والعمال والخدم لا يَلزم من استخدمهم أن يخرجها عنهم إلا أن يتبرع بذلك فيجوز، ولا يجب إخراجُها عن الحمل إلا إذا وُلد قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان، والأولى أن يخرجها عنه؛ لأنه فعل الصحابة رضي الله عنهم.

ومن نسي إخراجها حتى صلى العيد فيخرجها عقب ذلك ولا شيء عليه؛ لأنه معذور بالنسيان، ويجوز أن يعطي الجماعة فطرتهم لمسكين واحد، كما يجوز أن تفرق فطرة الواحد على عدة مساكين، ولو وكَّل أحدًا في إيصالها للمساكين فيجب أن تصلهم قبل صلاة العيد إلا إذا وكلوه هم بحفظها عنده.

وما أجمل أن يباشر المسلم إخراجها بنفسه، ويتلمس أهلها المستحقين لها في بيوتهم؛ تقربًا لله تعالى، وشكرًا له على نعمه، وتعظيمًا لشعائره، ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ [الحج: 32].

ألا فاتقوا الله ربكم أيها المسلمون، وأكثروا من ذكره وشكره في ختام هذا الشهر الكريم، وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185].

واحذروا المنكرات في العيد؛ فإنها من كفر النعمة، وكفر النعمة يعرضها للزوال، كما أن شكرها يزيدها، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7].

وصلوا وسلموا على خير البرية...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً