أيها المسلمون، إن من نعم الله العظيمة علينا أن جعلنا مؤمنين ومن أمة خاتم النبيين وأفضل المرسلين الذي أرسله الله عز وجل رحمةً للعالمين، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، ولقد أخبر عن نفسه الطيبة المباركة فقال: ((إنما أنا رحمة مهداة)) رواه الطبراني والبزار. فلك الحمد ربنا، ولك الشكر والثناء العظيم أن بعثت فينا نبيًا كريمًا ومن أنفسنا رسولاً رحيمًا، قال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
أيها المؤمنون، إن محبة رسول الله والفرح ببعثته والسرور بمولده من الإيمان، وثمرة هذه المحبة تكون بصدق اتباعه ظاهرًا وباطنًا، فالمسلم الحق المحب والمعظم لسيدنا وحبيبنا رسول الله هو الذي يذكره في كل يوم وليلة وفي كل حين، ويُحيي أقوالَه وأعمالَه في التأسي به، ويجتهد بالاقتداء به، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا. المسلم الصادق في حبه والمخلص في اتباعه لا ينساه أبدًا، ولا يغفل عن ذكره، وكيف يغفل عن ذكره والصلاة والسلام عليه وقد أحيا اللهُ ذكرَه ورفع شأنه؟! فحيثما ذكر اسم الله يذكر اسم رسوله في كل أذان ونداءٍ للصلاة وفي كل إقامة وفي كل صلاة فرضًا كانت أو نفلاً، ففي التشهد يُصلي ويُسلّم عليه المسلم ما يزيد على الثلاثين مرة جهرًا وسرًا.
أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، وتمسكوا بهدي رسولكم ، فمن تمام محبتكم له إحياء سنته وإظهار شريعته ونصر دعوته والحذر من الخلاف، فاصْدقوا نبيكم بالأعمال الصالحة وليس بالأقوال الفارغة، فالخير كل الخير والسعادة والتوفيق في السير على نهجه والتمسك بسنته، فهو من نعم الله علينا، قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
أيها الإخوة المؤمنون، ويا أيها الحاضرون، لنسأل أنفسنا: هل نحن نُحبُّ رسول الله فعلاً؟ وهل هو قُدوتُنا وأسوتنا؟ وما صِدْقُ محبتنا له؟ وما دليلها؟ رب قائل يقول: إننا نُحبه ونشهد أنه رسول الله ونؤمن بما جاء به من عند ربه عز وجل، لكن الحقيقة أنّ هذا إيمان ناقص؛ لأننا أضعنا كثيرًا من أوامره، وأعرضنا عن تحكيم شريعته التي جاء بها من عند الله، وهجرنا شمائله وأخلاقه، وكثير من الناس تركوا هديه واتباعه إلى اتباع وتقليد الكفار أعداء الله ورسله، بينما الفَلاَح في الدنيا والآخرة لمن آمن به واتبعه، قال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ.
فيجب أن نعترف بتقصيرنا في حسن اتباعه إن كنا نحبه حقًا وليس تقليدًا، ومن ثم نصلح هذا التقصير؛ لأن النبي قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحبّ إليه من أهله وماله والناس أجمعين)) رواه البخاري، وقال أيضًا: ((أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)) رواه الترمذي.
فهذه المحبة ليست دعوى تُدَّعى، ولكنها حقيقة للمؤمن، وليس كلّ من ادعى محبته كان صادقًا في ذلك، فلا بد من امتحان وابتلاء ليظهر صدق محبته من عدمها، فالمحب الصادق له هو الذي يمتثل لأوامره ويجتنب نواهيه ويتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه ويعلمُ يقينًا أنه لا يقول إلا الحق، وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ، فاتباع شريعته والعمل بها دليل على محبة الله ورسوله.
أيها المسلمون، بعض الناس يدّعي محبة النبي ، وإذا نظرت في أقواله وفي أعماله رأيته مخالفًا لشريعة النبي الذي يدعي محبته؛ لأن المسلم حقًا صلته بمحمد على الدوام، لا تنقطع ولا تتوقف ليلاً ونهارًا، فهو في وضوئه وفي صلاته وفي صومه وحجه وزكاته وكلّ معاملاته متبع ومقتد بمحمد ، حتى في أكله وشربه ونومه ويقظته ودخوله الخلاء وخروجه وفي كل تصرفاته تجد سنة محمد نصب عينيه دائمًا وأبدًا، لا ينفك عنها لحظة، وأما أقوام يدعون محبته ولكن هذه المحبة لا تظهر إلا في ليلةٍ ما من الليالي تنقضي بقراءة أوراد أو سيرته أو قصائد وأناشيد تُذكر، ومن ثم تنتهي هذه المحبة بعد ذلك، وهم يدعون بأنهم يُعظمونه، وإذا نظرت في تصرفاتهم وجدتهم بعيدين عن سنته في جميع أحوالهم.
عباد الله، في مثل هذا اليوم تمرّ ذكرى مولد النبي ، والذي كان مولده فتحًا ومبعثه فجرًا بدّد الله به جميع الظلمات وهدى به من الضلالة وأرشد به من الغِواية، لقد كان العرب وليس العرب وحدهم بل العالم كله يعيش قبل مولده وبعثته جاهليةً جهلاء، كانوا أسارى شبهات وأرباب شهوات، يعبدون الأصنام ويستقسمون بالأزلام، جهل وكفر وعربدة وسكر وظلام في كل مكان، حتى أذن الله سبحانه بخروج نبيه ومصطفاه .
عباد الله، في مولد النبي وبعثته انقسم الناس إلى قسمين:
طائفة كرهت خروجه وإخراجه للناس من الظلمات إلى النور، وهم الكفار والمنافقون أعداء الله، والذين لا يحبون الخير للمسلمين، ويعملون ليلاً ونهارًا على إبعاد المسلمين عن دينهم بشتى الوسائل والطرق، ووجدوا أفضل طريقة تؤدي إلى ابتعادهم عن دينهم هي إشغالهم بالمناسبات المتعددة كمولد النبي ومولد على بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة الزهراء وليلة أول رجب وليلة نصفه ونصف شعبان وليلة رمضان ووسط رمضان وليلة الختم وموسم عيد الفطر وموسم عيد النحر وعيد الغدير... إلخ من المناسبات المخترعة، والتي لم ينزل الله بها من سلطان.
والطائفة الأخرى: هي الطائفة المنصورة المتمسكة بسنته.
أيها الناس، حينما دخل النبي المدينة وجدهم يلعبون فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يوم عيد نلعب ونلهو فيه، قال : ((لقد أبدلكم الله خيرا منه: عيد الفطر وعيد الأضحى)). فليس للمسلمين عيد سوى هذين العيدين، فالأمة التي تكثر فيها الأعياد والمناسبات تصبح أمة لاهية غير جادة، وتنتشر فيها البطالة، وتضعف فيها الهمة، ولقد بدأ في بلادنا كثير من الشباب لا هم له سوى البحث عن اللهو وتقليد الغرب؛ هذا عيد الحب، هذا عيد الأم، هذا عيد العمال، هذا عيد شمّ النسيم، فنسأل الله أن يهدينا وإياهم سواء السبيل.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|