-: الدعاء في خطبة الجمعة :-

1.    مشروعية الدعاء في خطبة الجمعة.

2.   الأدلة على مشروعية الدعاء في خطبة الجمعة.

3.   حكم الدعاء في خطبة الجمعة.

‌أ.       القول الأول.

‌ب. القول الثاني.

‌ج.   الراجح.

4.   الدعاء الذي أنكره العلماء أو بعضهم في خطبة الجمعة.

‌أ.       الدعاء المقرون برفع اليدين.

‌ب.  الدعاء لمعيّن أو على معين.

‌ج.   الدعاء للسلطان.

‌د.      الدعاء للخلفاء المتقدمين.

‌ه.      الدعاء للظلمة.

‌و.     تخصيص الخطيب نفسه بالدعاء.

‌ز.     تطويل الدعاء وتكلف جلب أنواع الأدعية.

الدعاء في خطبة الجمعة

1.   مشروعية الدعاء في خطبة الجمعة:

اتفق العلماء على مشروعية الدعاء في خطبة الجمعة، واختلفوا في حكمه، فقال بعضهم بوجوبه، وقال آخرون باستحبابه، ولكن لما وقع في كلام بعضهم إنكارُ أدعيةٍ مخصوصة في جنسها أو صفتها أو هيئتها في خطبة الجمعة والقولُ ببدعيتها ظن بعض من وقف على كلامهم أنهم ينكرون الدعاء في خطبة الجمعة مطلقاً. وهذا غلط عليهم؛ فإنه لم يقل أحد من الأئمة ببدعية الدعاء في خطبة الجمعة مطلقاً.

2.   الأدلة على مشروعية الدعاء في خطبة الجمعة:

أ‌.  قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ} [الجمعة:9]، فأمر بالسعي إلى ذكر الله، والذكر عند الإطلاق يتناول الدعاء، وهذا على قول من قال: إن المراد بالذكر في الآية الخطبة.

ب‌.  ما أخرجه مسلم في كتاب الجمعة (874) عن حصين بن عبد الرحمن عن عمارة بن رويبة رضي الله عنه، قال: رأى بشرَ بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال: قبّح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبّحة.

والمراد برفع اليدين وبالإشارة بالمسبحة في هذا الحديث أي: عند الدعاء، ففي رواية لأحمد (4/261) عن حصين عن عمارة بن رويبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه، يشير بأصبعيه يدعو، فقال: لعن الله هاتين اليُديَّتين، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يدعو، وهو يشير بأصبع. وسنده على شرط مسلم.

وترجم البيهقي في سننه الكبرى (3/210) لهذا الحديث بقوله: "باب ما يستدل به على أنه يدعى في الخطبة".

وقال الحافظ في الفتح (11/143): "حكى الطبري عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره وقال: السنة أن الداعي يشير بأصبع واحدة، وردّه بأنه إنما ورد في الخطيب حال الخطبة، وهو ظاهر في سياق الحديث فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها".

ج. ما أخرجه أحمد (5/337)، وأبو داود في الصلاة (1105)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (2/210) عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهراً يديه قطّ يدعو على منبره ولا على غيره، ولكن رأيته يقول هكذا، وأشار بإصبعه السبابة يحركها.

قال المنذري في مختصر السنن (2/20): "في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق القرشي المديني ويقال له: عباد بن إسحاق، وعبد الرحمن بن معاوية، وفيهما مقال".

فإسناد هذا الحديث فيه ضعف، لكن يشهد له حديث عمارة بن رويبة المتقدم، وقد صححه ابن خزيمة (1450)، وابن حبان (883)، والحاكم (1/536)، ولم يتعقبه الذهبي.

وترجم ابن خزيمة لهذا الحديث بقوله: "باب إشارة الخاطب بالسبابة على المنبر عند الدعاء في الخطبة وتحريكه إياها عند الإشارة بها".

وقال البيهقي في سنته الكبرى (3/210): "والقصد من الحديثين ـ أي: حديث عمارة وحديث سهل ـ إثبات الدعاء في الخطبة، ثم فيه: من السنة أن لا يرفع يديه في حال الدعاء في الخطبة، ويقتصر على أن يشير بأصبعه".

د. ما أخرجه أحمد (2/214)، وأبو داود في الصلاة (1113)، ومن طريقه البيهقي في السنن (3/219) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يحضر الجمعة ثلاثة: فرجل حضرها يلغو، فذاك حظه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله عز وجل، فإن شاء أعطاه، وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكون ولم يتخطّ رقبة مسلم، ولم يؤذ أحداً، فهي كفارته إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، فإن الله يقول: {مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160])).

صححه ابن خزيمة (1813)، وحسنه الألباني في صحيح السنن (984).

فهذا الحديث فيه بيان طبقات من يحضر الخطبة، وفيه دليل على أن الذي يدعو الله تعالى والإمام يخطب ليس هو من اللاغين، وإن كان فعله خلاف الأولى، ولعل في تعليق إجابة دعائه على المشيئة زجراً له على فعله؛ لأنه مأمور بالإنصات والاستماع، لكن يؤخذ منه أن أصل الدعاء في الخطبة ليس من البدع، لأنه لو كان كذلك لنهى عنه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

5.    ما أخرجه البزار (1/307- كشف الأستار)، والطبراني في الكبير (7/264) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات كل جمعة.

وهذا حديث ضعيف، قال الهيثمي في المجمع (2/190-191): "رواه البزار والطبراني في الكبير، وقال البزار: لا نعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وفي إسناد البزار يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف"، وقال ابن حجر في البلوغ (435):" رواه البزار بإسناد لين".

قال الصنعاني في سبل السلام (3/193): "فيه دليل على مشروعية ذلك للخطيب لأنها موضع الدعاء".

وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/88): "فإن صحَّ هذا الحديث فهو أصل في الموضوع، وحينئذ لنا أن نقول: إن الدعاء سنة، أما إذا لم يصح فنقول: إن الدعاء جائز".

فأنت ترى أن الشيخ متردِّد فيه بين السنية والجواز، ولم يقل بكراهته فضلاً عن بدعيته، وعلق استحبابه على ثبوت الدليل، وقد ثبت في ذلك حديث عامر بن رويبة وحديث سهل بن سعد رضي الله عنهما.

و. ما علقه البيهقي في سننه الكبرى (3/210) عن الزهري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة دعا فأشار بأصبعه وأمن الناس .

وهذا مرسل، قال البيهقي: "ورواه قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة موصولا، وليس بصحيح".

ز. أن أصل الدعاء مشروع في جميع مواضع الصلاة: في القيام، وأثناء القراءة، وفي الركوع، وفي القيام منه، وفي السجود، وفي الجلسة بين السجدتين، وبعد التشهد، ومعلوم أن شروط الصلاة أشدُّ من شروط الخطبة، فإذا شرع الدعاء في الصلاة، فهو مشروع في الخطبة من باب أولى والله تعالى أعلم.

وفي الحقيقة مشروعية الدعاء في خطبة الجمعة لا تحتاج إلى كل هذا لولا حدوث القول ببدعيته وانتشاره في بعض الأوساط.

وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/232): "دعاء الإمام في الخطبة للمسلمين مشروع، كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ولكن ينبغي للإمام أن لا يلتزم دعاءً معيناً، بل ينوّع الدعاء بحسب الأحوال. أما كثرته وقِلته فعلى حسب دعاء الحاجة إلى ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر الدعاء ثلاثاً في بعض الأحيان، وربما كرره مرتين، فالسنة في الخطيب أن يتحرى ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ودعواته".

الشيخ عبد الله بن قعود             الشيخ عبد الرزاق عفيفي

الشيخ عبد الله الغديان               الشيخ عبد العزيز بن باز

وجاء فيها أيضاً (8/233): "دعاء خطيب الجمعة في خطبة الجمعة مشروع، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيها للمؤمنين والمؤمنات، أما التلفظ بالتأمين على دعائه فلا بأس به لعموم الأدلة".

الشيخ عبد الله بن قعود             الشيخ عبد الرزاق عفيفي

الشيخ عبد العزيز بن باز

3.   حكم الدعاء في خطبة الجمعة:

اختُلف في حكم الدعاء في خطبة الجمعة على قولين:

القول الأول: أن الدعاء للمؤمنين فيها واجب وركن، لا تصحّ الخطبة إلا به، ومحله الخطبة الثانية، وهذا أحد قولي الشافعي، نصّ عليه في الأم (1/178)، ونقله المزني عنه في مختصره (1/138- بهامش الأم).

قال النووي في المجموع (4/521): "ورجح جمهور الخرسانيين وجوبه، وقطع به شيخهم القفال في شرح التلخيص، وصاحبه القاضي حسين، وصاحباه البغوي والمتولي، وقطع به من العراقيين جماعة منهم: صاحب الحاوي، ورجحه إمام الحرمين والغزالي والرافعي وآخرون، وهو الصحيح المختار".

القول الثاني: أنه مستحب وليس بواجب، وهذا مذهب الجماهير، وهو قول للشافعي، لأن الأصل عدم الوجوب، ومقصود الخطبة الوعظ.

قال النووي في المجموع (4/521): "رجح جمهور العراقيين استحبابه، وبه قطع شيخهم أبو حامد في مواضع من تعليقه وادعى الإجماع أنه لا يجب وإنما يستحب، وقطع به أيضاً المحاملي في كتبه الثلاثة، وسليم الرازي والمصنف في التنبيه، وقطع به قبلهم ابن القاص في التلخيص".

وقال ابن قدامة في المغني (3/179): "ويستحب أن يدعو للمؤمنين والمؤمنات، ولنفسه والحاضرين".

وقال المرداوي في الإنصاف (5/243- مع المقنع والشرح الكبير): "قوله: ويدعو للمسلمين، يعني: عموما، وهذا بلا نزاع".

الراجح في المسألة: الراجح في هذه المسألة ـ والله أعلم ـ أن الدعاء المشروع في خطبة الجمعة مستحب وليس بواجب، لعدم الدليل على الوجوب.

قال الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي رحمه الله في المختارات الجلية (ص70): "وأما اشتراط تلك الشروط في الخطبتين ـ الحمد والصلاة على رسوله وقراءة آية من كتاب الله ـ فليس على اشتراط ذلك دليل، والصواب أنه إذا خطب خطبة يحصل بها المقصود والموعظة أن ذلك كاف، وإن لم يلتزم بتلك المذكورات، نعم من كمال الخطبة الثناء فيها على الله وعلى رسوله، وأن تشتمل على قراءة شيء من كتاب الله، وأما كون هذه الأمور شروطاً لا تصح إلا بها سواء تركها عمداً أو خطأ أو سهواً ففيه نظر ظاهر، وكذلك كون مجرد الإتيان بهذه الأركان الأربعة من دون موعظة تحرك القلوب يجزي ويسقط الواجب، وذلك لا يحصل به مقصود فغير صحيح".

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/73-74): "وقال بعض أهل العلم: إن الشرط الأساسي في الخطبة أن تشتمل على الموعظة المرقِّقة للقلوب المفيدة للحاضرين، وأن البداءة بالحمد أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة آية أو ما أشبه ذلك كله من كمال الخطبة.

ولكننا نقول: هذا القول وإن كان له حظ من النظر لا ينبغي للإنسان أن يعمل به إذا كان أهلُ البلد يرون القولَ الأول الذي مشى عليه المؤلف، لأنه لو ترك هذه الشروط التي ذكرها المؤلف لوقع الناس في حرج، وصار كل يخرج من الجمعة، وهو يرى أنه لم يصل الجمعة، وفيه تأليف الناس، وإذا أتيت بهذه الشروط لم تقع في محرم. ومراعاة الناس في أمر ليس بحرام مما جاءت به الشريعة، فقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الصوم والفطر في رمضان، وراعاهم عليه الصلاة والسلام في بناء الكعبة فترك بناءها على قواعد إبراهيم، وهذه القاعدة معروفة في الشرع".

4.   الدعاء الذي أنكره العلماء أو بعضهم في خطبة الجمعة:

بعدما تبين مشروعية الدعاء في الجملة في خطبة الجمعة وتقرر استحبابه، يحسن إكمال البحث ببيان ما أنكره العلماء في هذا الباب، وفي بعض ذلك خلاف، فمن ذلك:

أ- رفع الخطيب يديه في الدعاء:

وقد تقدم حديث عمارة بن رويبة وفيه إنكاره رضي الله عنه ذلك على بشر بن مروان، قال الشوكاني في النيل (3/271) بعد هذا الحديث وحديث سهل: "الحديثان يدلان على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة".

وأخرج أحمد (4/105) عن غُضيف بن الحارث الثمالي قال: بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء، إنا قد جمعنا الناس على أمرين، قال: وما هما؟ قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، فقال: أما إنهما أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما، قال: لم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة)) فتمسكٌ بسنة خير من إحداث بدعة.

جوّد إسناده الحافظ في الفتح (13/253)، ورمز له السيوطي بالحسن، وفي ذلك نظر، قال الهيثمي في المجمع (1/188): "فيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم وهو منكر الحديث"، ولذا ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (37).

 وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (2/55) عن الزهري قال: (رفع الأيدي يوم الجمعة محدث)، وأخرج أيضاً عن عبد الله بن مرة قال: رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر، فرفع الناس أيديهم، فقال مسروق: (قطع الله أيديكم).

والقول برفعهما وجه في مذهب الحنابلة، قال شيخ الإسلام كما في الاختيارات (ص80): "ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة، وهو أصح الوجهين لأصحابنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يشير بأصبعه إذا دعا، وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استسقى على المنبر"، وقال المرداوي في الإنصاف (5/245-246): "وقيل: يرفعهما، وجزم به في الفصول، وهو من المفردات، وقيل: لا يستحب، قال المجد: هو بدعة".

وقال ابن مفلح في المبدع (2/164): "قال المجد: هو بدعة، وفاقاً للمالكية والشافعية وغيرهم".

ب- الدعاء لمعيّن أو على معيّن:

وقد اختُلف في ذلك، فقال الشافعي في الأم (1/180): "فإن دعا لأحد بعينه أو على أحد كرهته، ولم تكن عليه إعادة".

وبوَّب البيهقي في سننه الكبرى (3/217): "باب ما يكره من الدعاء لأحد بعينه أو على أحد بعينه في الخطبة"، وأخرج فيه بسنده عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أن لا يسمى أحد في الدعاء.

وقال المرداوي في الإنصاف (5/243): "ويجوز لمعيّن مطلقاً".

ج – الدعاء للسلطان:

واختُلف في ذلك أيضاً، فقيل: هو بدعة، وقيل: هو جائز، وقيل: هو مستحب.

فقال بالمنع منه عطاء بن أبي رباح، فقد سئل عن ذلك فقال: إنما أُحدث، وإنما كانت الخطبة تذكيراً، أخرجه الشافعي في الأم (1/179-180)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى عن عبد المجيد عن ابن جريج عنه، قال النووي في المجموع (40/518): "هو إسناد صحيح إلا عبد المجيد فوثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وضعفه أبو حاتم الرازي والدارقطني".

وقال القاضي ـ كما في المغني (3/181) ـ: "لا يستحب ذلك؛ لأن عطاء قال: هو محدث". وكذا قال الشيرازي في المهذب.

وقال النووي في المجموع (4/521): "وأما الدعاء للسلطان فاتفق أصحابنا على أنه لا يجب ولا يستحب، وظاهر كلام المصنف وغيره أنه بدعة؛ إما مكروه وإما خلاف الأولى، هذا إذا دعا له بعينه، فأما الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك ولجيوش الإسلام فمستحب بالاتفاق، والمختار أنه لا بأس بالدعاء للسلطان بعينه إذا لم يكن مجازفة في وصفه ونحوها والله أعلم".

وقد استثنى بعضهم من المنع ما إذا خاف الخطيب الضرر على نفسه، قال الحافظ في الفتح (2/415): "وقد استُثنِي من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان مثلا، بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه، وقال النووي: محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب، اهـ. ومحل الترك إذا لم يخف الضرر، وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه والله أعلم".

وقال أحمد الدردير في الشرح الكبير (1/387): "وهو مكروه إلا أن يخاف على نفسه كما هو الآن".

وقال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح (ص 334) مبينا جوازه وأنه ليس بسنة ولا بدعة: "وسُن الدعاء فيها للمؤمنين، وجاز الدعاء للسلطان بالعدل والإحسان، وكره تحريما وصفه بما ليس فيه".

وأما القول بالاستحباب فقال ابن قدامة في المغني (3/181): "وإن دعا لسلطان المسلمين بالصلاح فحسن، وقد روى ضبّة بن محصن، أن أبا موسى كان إذا خطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لعمر وأبي بكر، وأنكر عليه ضبة البداية بعمر قبل الدعاء لأبي بكر، ورفع ذلك إلى عمر، فقال لضبة: أنت أوفق منه وأرشد، وقال القاضي: لا يستحب ذلك ؛ لأن عطاء قال: هو محدث. وقد ذكرنا فعل الصحابة له، وهو مقدم على قول عطاء ؛ لأن سلطان المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم، ففي الدعاء له دعاءٌ لهم، وذلك مستحب غير مكروه".

وقال المرداوي في الإنصاف (5/243-244): "وقيل: يستحب للسلطان، وما هو ببعيد، والدعاء له مستحب في الجملة، حتى قال الإمام أحمد وغيره: لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها لإمام عادل؛ لأن في صلاحه صلاح للمسلمين".

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/232-233): "الأفضل إذا دعا الخطيب أن يعم بدعوته حكام المسلمين ورعيتهم، وإذا خصّ إمام بلاده بالدعاء بالهداية والتوفيق فذلك حسن، لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين إذا أجاب الله الدعاء".

الشيخ عبد الله بن قعود             الشيخ عبد الرزاق عفيفي

الشيخ عبد الله بن غديان            الشيخ عبد العزيز بن باز

د- الدعاء للخلفاء المتقدمين:

قال الشاطبي في الاعتصام (ص1/21): "سئل أصبغ عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين فقال: هو بدعة ولا ينبغي العمل به، وأحسنُه أن يدعو للمسلمين عامة، قيل له: فدعاؤه للغزاة والمرابطين؟ قال: ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه، وأما أن يكون شيئاً يصمد له في خطبته دائماً فإني أكره ذلك".

ونقل أيضاً عن العز بن عبد السلام أن الدعاء للخلفاء في الخطبة بدعة غير محبوبة.

هـ- الدعاء للظلمة:

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ} (18/107): "ما كان من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين وأتقياء المؤمنين، والموعظة والتذكير فهو في حكم ذكر الله، فأما ما عدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم، وهم أحقاء بعكس ذلك، فهو من ذكر الشيطان، وهو من ذكر الله على مراحل".

وللمناسبة نذكر قصة طريفة ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية (17/22-23) فقال: "وقد حكى أبو المظفر أنه حضر يوما عنده الجمعة ـ أي: عند أبي عمر المقدسي أخي موفق الدين ابن قدامة ـ وكان الشيخ عبد الله اليونيني حاضراً هناك، فلما انتهى الشيخ أبو عمر إلى الدعاء للسلطان قال: اللهم أصلح عبدك الملك العادل سيف الدين أبا بكر بن أيوب، فنهض الشيخ عبد الله وترك الجمعة، فلما فرغنا ذهبت إليه فقلت له: ماذا نقمت؟ فقال: يقول لهذا الظلام: العادل؟! فبينما نحن في الحديث إذ أقبل الشيخ أبو عمر ومعه رغيف وخيارتان، فكسر ذلك وقال: الصلاة، ثم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بعثت في زمن الملك العادل كسرى))، فتبسم الشيخ عبد الله، ومد يده فأكل، فلما قام الشيخ أبو عمر قال لي: يا سيدنا، ما ذا إلا رجل صالح. قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: كان الشيخ عبد الله من الصالحين الكبار، وقد رأيته، وكانت وفاته بعد أبي عمر بعشر سنين، فلم يسامح الشيخ أبا عمر في تساهله مع ورعه، ولعله كان مسافرا لا جمعة عليه، وعُذر الشيخ أبي عمر أن هذا قد جرى مجرى الأعلام: العادل، الكامل، الأشرف، ونحوه، كما يقال: سالمٌ، وغانمٌ، ومسعودٌ، ومحمودٌ، وقد يكون المسمى بذلك على الضد من هذه الأسماء، وكذلك إطلاق العادل ونحوه قد دخل إطلاقه على المشرك، فهذا أولى".

وعلق ابن كثير على ذلك فقال: "هذا الحديث الذي احتج به الشيخ أبو عمر لا أصل له، وليس هو في شيء من الكتب المشهورة، وعجباً له ولأبي المظفر ثم لأبي شامة في قبول هذا وأخذه عنه مسلَّما!! والله أعلم".

هذا الحديث حكم عليه أهل الفن بالبطلان، منهم: الحليمي والبيهقي والصغاني والسخاوي وعلي القاري والألباني وغيرهم، وقال العجلوني في كشف الخفاء (2/455): "وما يحكى عن أبي عمر بن قدامة مما ذكره ابن رجب في ترجمته أنه قال: جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ولدت في زمن العادل كسرى)) لا يصح لانقطاع سنده، وإن صح فلعل القائل للحكاية لم يضبط".

و- تخصيص الخطيب نفسه بالدعاء:

ذكر ذلك الشيخ بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء (ص456).

ز- تطويل الدعاء، وتكلف جلب أنواع الأدعية:

قال الشيخ بكر في تصحيح الدعاء (ص456): "لا أدري أصل ذلك".

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله

نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعي